بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 30 أكتوبر 2013

بين روابدة والمصري والمكون الفلسطيني..كلام لم ينشر بسام البدارين

لا يمكن لاختيار المحنك عبد الرؤوف الروابده رئيسا لمجلس الأعيان الأردني أن ينتهي بإشكالية سياسية أو إدارية أو وطنية من أي نوع فالرجل عمليا يملك من الخبرات ما يؤهل الجميع للإعتراف بأنه في مكانه المهني الصحيح خصوصا عندما يتعلق الأمر بالجانب القانوني وخبرات التشريع.
أختلف واختلفت شخصيا مع الروابدة علنا عشرات المرات وحجم التواصل بيننا يستقر في نقطة

الصفر لكن قدرات الرجل مسألة مختلفة تماما للإنصاف ولا يمكن القول بأن غياب سلفه طاهر المصري عن الموقع نفسه إشارة سلبية جدا بنفس الوقت إذا إفترضنا أنه- أي المصري- كان يدرك ويستقرىء نهايات المشهد.
الروابدة فارس علني وواضح ضد الإتجاهات الإصلاحية المتسرعة ولا يخفي إجتهاداته المحافظة جدا ولا يطرح نفسه كمجدد أو إصلاحي خارج سياق الخبرة البيروقراطية وله مع أخرين دور واضح وعلني في مختلف المسائل الإصلاحية نختلف معه ولا يعجبنا.
والمصري فارس بقي وحيدا في الساحة لصالح الديمقراطية وقفزات الإصلاح الكبيرة ..كان صادقا لكنه وحده ولم تكن ماكينة النظام تصغي إليه أو تتعاون معه من الناحية العملية وإن بقي لسنوات لسان التغيير الحقيقي غير المنافق اليتيم الذي يتحدث داخل علبة القرار وفي المجالسات المغلقة. الإشكالية بهذا المعنى لا تكمن هنا بل بالرسائل التي يمكن إلتقاطها عند التعمق في تقييم وقراءة التركيبة الأخيرة لمجلس الأعيان الأردني عبر ثنائية الروابدة- المصري.
جمعتني بحكم العمل والمجاملات الإجتماعية عشرات المواقف والمحادثات مع الرجلين لا يتسع المقام لإستعراضها.
لكن يمكن إنتخاب حادثتين للدلالة على الذهنية التي تعكس صنفين من الإتجاهات في مؤسسة النخبة الأردنية في ظرف إقتصادي ووطني ملتبس وإقليمي غامض.
كنت في حديث جانبي مع الروابدة على هامش عشاء سياسي فسألني الرجل مباشرة وبذكائه الفطري الحاد عن أسباب غضبي الظاهر في ملامح الوجه قائلا: لديك ما تقوله وتحاول أن تثير فضولنا لكي نطالبك بالتحدث .. شخصيا لن أمنحك ذلك فلا تتحدث.
ضحك القوم حولنا وكانت تلك دعوة طريفة لان أكشف ورقتي فتحدثت فورا عن الجرائم والأخطاء المتعلقة {بسحب الجنسيات} خصوصا تلك التي تتم خارج القانون وبالتجاوز على تعليمات فك الإرتباط.
أطلق الروابدة جملة يفهم منها بأنه توقع {أسطوانتي} ولم يرغب بوضوح في النقاش لكن خرجت منه عبارة من النوع الذي لا يمكن لأي ذاكرة سياسية أو إعلامية إسقاطها حين قال: ..طبعا لدينا أخطاء وقد تكون أحيانا كبيرة لكن علينا أن لا نؤذي بلدنا بالتحدث عنها وتلك مشكلتك أخي بسام.
عبقرية هذه العبارة بصراحة تتجلى في أنها تكشف وبفصاحة وإختصار عن تلك {الذهنية} التي تستوطن الجهاز البيروقراطي الأردني الشريك الوحيد والنافذ للمؤسسة الأمنية في القرار والإدارة.
العودة للبيروقراطيين والمحافظين لا تؤلمني ولا تقلقني كثيرا وقد تكون فعلا عودة وطنية منتجة تحمي مؤسسات الدولة لكنها تنتج في الفضاء الوطني عشرات الأسئلة العالقة وأهمها: كيف لم كان على مدار عشرات السنوات سببا في مشكلة أو أزمة أن يصبح سببا في الحل والمعالجة؟.
أنا شخصيا لا أعرف إجابة على هذا السؤال وبمناسبة حديثي القصير مع بيروقراطي رفيع المستوى وإداري متفوق من طراز دولة الأخ الروابدة فهمت بعض الوقائع في مستوى الطريقة التي تدار فيها الأمور لكن ما زلت أرى بأن الحديث وبصراحة وشفافية عن المشكلات والأزمات هو حبل النجاة.
ولا زلت أؤمن بأن الدولة الأردنية لن تتعافى إذا كانت مثلا تتجه لإغلاق سؤال الفساد المطروح بالفضاء الشعبي والنخبوي والوطني دون تقديم إجابات أو روايات للأحداث.
نحن في القرن الحادي والعشرين وفي زمن الربيع العربي ولابد من الإتجاه نحو قراءة واعية للواقع الموضوعي تتوقف عن ثقافة الإنكار والتجاهل والرهان فقط على حاجة الشعب للأمن والخبز فتلك نظرة متسرعة وقاصرة للأمور لن تصلح إلا لسحب المزيد من رصيد النظام عند الناس.
لا يمكنني في العصر الحالي وخصوصا في ظل خطاب الإصلاح المستهلك بكثرة في بلادي التوثق من أن إخفاء المشكلات أو عدم التحدث عنها هو الطريقة الأسلم لإدارة الأمور ولا يمكنني تصور إصلاح وبرلمان وديمقراطية وعدالة ودولة مؤسسات وقانون بدون تمكين المواطن- أي مواطن- من مناقشة السلطة على الأقل بالقضايا التي تخصه.
التحدث عن {الأخطاء} ولو في مستويات القرار نفسه وأحيانا مع الشعب مفيد جدا ومنتج وينقل هذه الأخطاء من مستوى السرية التي تنتج الإحتقان إلى مستوى العلنية التي تنتج التوافقات في المحصلة خصوصا في ظل عدم وجود ولو أردني واحد يقبل بديلا عن النظام الذي تجاوز سؤال الشرعية عمليا.
مناقشة المخالفات في إطار من الوعي والمسؤولية يحيلها إلى مجرد أخطاء إدارية يمكن تصويبها والتركيز على طي صفحة هذه المخالفات وإخفائها يحيلها إلى {غذاء دائم} لكل خصم أو عدو أو متربص او موتور داخل البلاد وخارجها وبكرسها كقناعات ويدفع المواطن العادي للقناعة بان المسألة لا تتعلق فقط بإدارة تخطىء هنا او هناك بل بنظام يستقر ويتعايش مع الخطا وتلك بحد ذاتها مصيبة.
أما دولة المصري فهو رجل أكثر من واضح في السر والعلن ..لديه وجهة نظر في كيفية إدارة الدولة ولم يكن يتحدث إطلاقا بإعتباره رمزا من رموز التمثيل الفلسطيني في الأردن فقط.
قبل أيام قليلة من خلو فريق مجلس الأعيان من إسمه أكد لي المصري شخصيا في جلسة خاصة جدا ناقشت {كل شيء} عدم وجود إشارات لديه توحي بعودته رئيسا لمجلس الأعيان أو عدم عودته بل بقي مصرا على {أنهم} لا يريدون اللعب بقواعد إصلاحية حقيقية.
ومفردة {إنهم} كانت تقصد نخبة من المسؤولين التنفيذيين النافذين الذين لا يرون حاجة لان يقدم النظام تنازلات جذرية تحت عنوان الإصلاح.
رغم ذلك لا أرى في غياب المصري عن الواجهة اليوم {نكسة} للإصلاح والإصلاحيين فبعض أعضاء مجلس الأعيان الجديد لديهم مهارات تمكنهم من تمرير بعض الوصفات الإصلاحية بدرجة عالية من الذكاء وأقل من المباشرة.
بتقديري الشخصي لم يهندس مجلس الأعيان الجدد لا على أساس إبعاد الإصلاحيين ولا على أساس تقليص الحضور والتمثيل الفلسطيني في واجهة القرار..بين يدي صانع القرار تكثفت نقطة واحدة فقط قادت لهذه النتيجة وهي السعي للإحتياط في مواجهة هجمات تشريعية متوقعة من مجلس نواب غير منضبط صدم صاحب القرار المرجعي بحادثة الكلاشينكوف الأخيرة.
المعركة بين المحافظين والإصلاحيين داخل مؤسسات النظام ليست جديدة أو مبتكرة ومغادرة أي من الطرفين في اي وقت كانت دوما في نطاق الإحتمال والتوقع فالأيام دول في بلد كالأردن وأحد أبرز رموز الحرس القديم والدولة الشمولية- أقصد زيد الرفاعي- تربع على عرش رئاسة الأعيان لفترة طويلة جدا وهو أيضا من أصل فلسطيني.
لذلك لا أرى أن للمسألة علاقة بملف {المكون الفلسطيني} ..يوجد أسباب كثيرة دفعت المصري للمغادرة ليس من بينها بالتأكيد أصله الفلسطيني ولا السعي لتقليص التمثيل الفلسطيني وهي نفسها الأسباب التي دفعت لمغادرة نخبة من أقطاب العشائر وكبار السياسيين مثل عون الخصاونة وعبد الكريم الكبارتي وحتى الشيخ برجس الحديد وقبله الفاضلة ليلى شرف. حصلت أخطاء في تركيبة المجلس لا يمكن نكرانها وسببها المتحلقون حول صاحب القرار في مواقع الإدارة لكن الخطأ الأبرز اللعب بورقة المكون الفلسطيني فيما يتعلق بمغادرة المصري مؤخرا فقبل سنوات قليلة كانت ثلاث سلطات دفعة واحدة بيدي التمثيل الفلسطيني والمصري لم يعتبر نفسه يوما إلا أردنيا وقد غادر موقعه لانه كذلك للأسف خصوصا وان عدد رموز التمثيل الفلسطيني زاد بنسبة واضحة في التشكيلة الأخيرة للأعيان.
الأردن بالمحصلة كسب سياسي رفيع ومحترم من وزن المصري سواء بقي رئيسا للأعيان أو إنضم لدعاة الإصلاح من خارج علبة القرار والأخطاء طالت شخصيات أخرى مهمة قبل أشهر…لذلك لعبة المكون الفلسطيني خارج السياق.

القدس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق