بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 23 أكتوبر 2013

هل عودة المخاوف من تصعيد أمني في محلّها؟- ابراهيم بيرم

إذا كان ثمة اتفاق خفي بين أطياف المشهد السياسي اللبناني على استمرار انسداد الأفق السياسي الى أجل غير مسمى نسجاً على منوال الأشهر الثمانية الماضية فإن السؤال المطروح هو: هل ما زال بالامكان ضبط "اللعبة الأمنية"، وبالتالي الحيلولة دون العودة إلى حوادث أمنية كبرى تشكل عنصر مفاجأة للجميع، وتفتح الباب على ما يليها حتماً من تفجيرات وردود فعل؟
 لا ريب أن السؤال اكتسب "مشروعية" أكبر في الأيام القليلة الماضية مع ظهور لوقائع المعطيات الامنية ذات الطبيعة التوتيرية الآتية:
- عودة السخونة إلى "محاور" طرابلس التقليدية إلى نحو أعاد الذاكرة إلى مقدمات جولات العنف
الـ18 الماضية التي عاشت هذه المحاور تحت وطأتها منذ أن اشتعلت شرارة الأحداث الملتهبة في الساحة السورية المجاورة.
- العودة إلى "كابوس" انفجار السيارات المفخخة، إثر اكتشاف سيارة المريجة في الضاحية الجنوبية قبل أيام قليلة والتي ذكرت معلومات أنها كانت "أضخم" من سيارة الرويس.
- عودة التوتر إلى تخوم البقاع الشمالي مع تجدد سقوط القذائف من مراكز المجموعات السورية المسلحة على أطراف الهرمل والقاع.
- عودة الحديث في بعض الاوساط عن عرسال كمصدر للسيارات التي تفخَّخ هناك، وتتسرب بطريقة أو بأخرى إلى مناطق لبنانية.
صحيح أن بعضا من هذه الظواهر التوتيرية، صار بمثابة أمر واقع صعب في حياة اللبنانيين، ولم يعد يشكل عنصر مباغتة، لكن الثابت ان هذه المظاهر التوتيرية المتقدمة والمتصاعدة اخيراً تقترن وتتزامن مع مجموعة معطيات ومستجدات سياسية وأمنية تنطوي على طابع سلبي من شأنها ان تعزز المخاوف من عودة التصعيد الأمني او من حدوث مفاجآت امنية قد لا تكون خارج الحسبان.
وأبرز هذه المعطيات والمستجدات:
- الانسداد الحاصل في أفق الجدار السياسي وتيقّن كل ألوان طيف المشهد السياسي من ان لا ولادة مرتقبة لأي حكومة جديدة من جهة ولا امكان لحدوث انفتاح بين طرفي الصراع في لبنان خصوصا بعدما أظهرت المعطيات ان الحوار البادئ حديثاً بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس كتلة "المستقبل" النيابية فؤاد السنيورة يندرج اكثر ما يكون في اطار الحوار للحوار. فالمعلوم ان مصادر القطبين ما برحت تؤكد ان الأمور ما زالت في اطار استكشاف النيات وليس في اطار الاستعداد لفعل يخرق جدار الأزمة. وثمة مصادر على صلة بالطرفين تذهب الى الاعتقاد بأن الحوار هو حاجة ملحة لهذين القطبين لاعتبارات ذاتية تتصل بدورهما وموقعهما السياسي من جهة، ولأنهما باتا يقيمان على اعتقاد ضمني فحواه ان هناك مقدمات تتراكم تدريجاً لمرحلة مقبلة على مستوى المنطقة، ولا بأس بالتالي من التحضير لملاقاتها من خلال بدء رحلة الحوار الذي قد يكون بلا نتيجة سريعاً ولكن الرهان هو على استمراره مهما حصل.
- عودة التصعيد السياسي الى ذروته لدرجة ان بعض رموز قوى 14 آذار عادوا يتحدثون عن شروط وسقوف لاشراك "حزب الله" في الحكومة المقبلة تداني الشروط والسقوف التي تحدثوا عنها غداة تكليف الرئيس تمام سلام تشكيل الحكومة العتيدة قبل نحو عام وثمانية أشهر.
والواضح ان فريق 14 آذار وبالتحديد تيار "المستقبل" المدرك كما سواه ان اوان استيلاد الحكومة لم يحن بعد، لذا فهو يريد أن يظهر بمظهر القادر على فرض شروطه أو القادر على المبادرة وان عدم تأليف الحكومة ليس مرده فقط سلوك الفريق الآخر وشروطه.
- عودة الحديث مجدداً عن قرب اندلاع معركة القلمون في ريف دمشق، واللافت ان ثمة أطرافا وجهات في لبنان بدأت تتصرف على أساس ان ساعة المعركة آتية لا ريب فيها متوقعة حدوث مفاجآت لمصلحة المجموعات المتمردة، حتى ان أحد رموز فريق تيار "المستقبل" حذر صراحة "حزب الله" من الوضع في منطقة القلمون لن يكون كما كان في القصير، مفترضاً ان المعركة حاصلة، وان الحزب سيندفع اليها مشاركاً وان المعركة ستكون رداً على معركة القصير التي حقق فيها النظام السوري وحليفه "حزب الله" انتصاراً مدوياً قلب مسار المعركة في حمص وريفها.
وبالتالي فإن الكلام المتكرر والمضخم أحياناً عن معركة القلمون في الاوساط اللبنانية رسخ اعتقاداً فحواه ان المعركة ونتائجها ستنعكس على مسار الاوضاع السياسية وغير السياسية في الساحة اللبنانية، حتى ان ثمة شريحة من اللبنانيين باتت تترصد هذه المعركة وتتابعها دقيقة بدقيقة وهي منقسمة بين فريق يعتبر ان المعركة بدأت فعلاً في حين ان الفريق الآخر يرى انها تحتاج الى بعض الوقت.
وبصرف النظر عن دقة هذه الحسابات، فالأكيد ان ثمة من يجعل من هذه المعركة الافتراضية عنصراً ثابتاً من عناصر المشهد اللبناني ويبني عليها التطورات والتوقعات المؤثرة والفاعلة في مسار الوضع الداخلي، فضلاً عن انه يتصور سلفاً انها ستكون بمثابة محطة جديدة لتصفية الحساب الميداني مع "هزيمة" المعارضين للنظام السوري في بلدة القصير.
وثمة في اوساط 8 آذار من يعتبر ان هذا الربط بين نتائج معركة القلمون ومسارها وبين الوضع اللبناني، هو ربط ليس بلا جذور ومقدمات، لأن هناك في الاقليم من يراهن على انزال ضربة عسكرية بقوات النظام السوري وحلفائه في هذه البقعة الجبلية المتاخمة للحدود اللبنانية تعيد للمعارضة السورية اعتبارها، وتطوي مساعي النظام السوري ورهاناته على حماية عاصمته ودرء الخطر عنها بشكل نهائي ليكون ذلك عنصراً ثابتاً من عناصر المعادلة في سوريا.
وفي كل الاحوال ثمة من بدأ في لبنان بعملية ربط بين انتظار معركة القلمون المرتقبة وبين عملية التجميد لأي حلول أو خروق سياسية على مستوى الداخل اللبناني.

وعلى رغم ان الكثيرين يعتبرون ان لا قيمة سياسية يعتد بها لهذا الربط فإن ثمة من يخشى أكثر من أي وقت مضى أن يكون الرهان على معركة القلمون حافزاً ضمنياً من حوافز التصعيد أو الاهتزاز الأمني الحاصل في أكثر من منطقة في لبنان، خصوصاً ان الجميع يدركون ان لبنان محكوم بفترة انتظار ومراوحة على المستوى السياسي وبالتحديد على المستوى الحكومي. اضافة الى ذلك فإن الكل في لبنان صار يعرف أن نهج النأي بالنفس عن الاحداث في سوريا قد سقط، وبات التعامل مع سقوطه أمراً مألوفاً.
"النهار"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق