بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

الانتخابات في العراق رجس من عمل المحتل فاجتنبوه عوني القلمجي

لست بعجلة من امري حين أطرق باب الانتخابات مبكرا، او ربما مبكرا جدا، فالميليشيات المسلحة الحاكمة في العراق شرعت من الان باعداد نفسها للفوز مرة اخرى، وبدأت بتنظيم حملاتها الدعائية الكاذبة والمضللة، ومرورا باغداق الاموال والهدايا والمكارم على شيوخ العشائر ومجالس الصحوات ووسائل الاعلام المختلفة، وانتهاء بالتسابق فيما بينها لكسب ود ورضى المرجعيات الدينية للحصول على فتاوى تدعم قوائمها وتشجع الناس على تأييدها.
 
بالمقابل وعلى الجهة الاخرى، يجري الترويج الى ذات الاكاذيب والادعاءات الباطلة حول قيمة واهمية الانتخابات والمشاركة فيها، والاعتماد عليها لاختيار االمخلصينب واالكفاءات الوطنيةب لادارة شؤون البلاد، مستغلة في ذلك التأثير السحري لمبدأ الانتخابات، وحرمان الناس من ممارستها طيلة عقود طويلة من الزمن، جراء تعاقب الحكومات الدكتاتورية والاحزاب الشمولية على الحكم، ليجري الوصول في النهاية الى اقناع الناس بالتخلي عن الانتفاضات الشعبية والاعتصامات المدنية، او حتى التظاهرات السلمية، خشية من تصعيد شعاراتها المطلبية الى شعارات تنادي باسقاط الحكومة وبرلمانها ودستورها والعملية السياسية برمتها.
وكان اكثر ما يحزن في هذا الخصوص، هو الموقف الغريب لبعض الاقلام الوطنية وبعض المثقفين والسياسيين، كونه يضفي على هذه الاكاذيب نوعا من المصداقية، بصرف النظر فيما اذا كانت النوايا حسنة ام مقصودة. ففي الوقت الذي توصل فيه عامة الناس الى قناعة بعدم جدوى الاشتراك بالانتخابات جراء ما انتجته الانتخابات الثلاثة السابقة من مجرمين وقتلة وحرامية، يطالب هؤلاء جميع العراقيين، وبكل حمية وما ملكت ايمانهم من قدرات، للمشاركة في هذه الانتخابات تحت ذريعة تمكين الوطنيين الشرفاء من الفوز في مجلس النواب وتشكيل حكومة، او قوة رئاسية ناعمة، على حد تعبير احدهم، تنقذ العراق من محنته وتقيم لاهله الجنة الموعودة التي تفيض لبنا وعسلا، حتى خيل لنا لبرهة من الزمن، بان هذه الانتخابات المقبلة، لن تجري، كما في السابق، تحت اشراف حكم يدار من قبل السفير الامريكي تارة وقاسم سليماني الايراني تارة اخرى، ويستند على دستور وقانون انتخابات يكرسان اسس الطائفية والعرقية في مؤسسات الدولة والمجتمع. وانما ستجري في ظل حكم وطني مستقل وبلد ذا سيادة، وفي ظل دستور متوازن وقانون انتخابات حضاري، اساسه العدل وآليته النزاهة والحرية والكفاءة، او اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب!!!.
هذا الامر الذي ذهبنا اليه لا يحتاج منا لتأكيده اي جهد يستحق الثناء، ولا تقديم مرافعات رصينة تثبت عدم جدوى هذه الانتخابات، بقدر ما يحتاج الى حسبة بسيطة، او حسبة عرب كما يقال. فبالاضافة الى النتائج الماساوية التي افرزتها ثلاث تجارب انتخابية سابقة، فان الوقائع والاحداث اثبتت بان الانتخابات في العراق لم تجر من اجل بناء نظام ديمقراطي يخدم العراق واهله، وانما جرت من اجل توفير آلية سياسية ذات صفة ديمقراطية تمكنامريكا من حكم البلاد بطريقة غير مباشرة، بعد فشلها في تحقيق ذلك عبر الحاكم العسكري جي كارنر، ثم الحاكم المدني بول بريمر. واذا لم يكن الامر كذلك لكان علينا جميعا تصديق مقولة الامريكان، بانهم جاءوا محررين وليس محتلين. هذه هي الحقيقة واي خلاف حولها يعد اما سذاجة سياسية، او لتحقيق اهداف ذاتية او فئوية ضيقة.
ومع ذلك سنترك هذا الجانب تحسبا من الدخول في نقاشات عقيمة مع المتحمسين للاشتراك بالانتخابات، ونمسك بالجانب الاخر الذي لا يحتمل الشك او التاويل. ففي النظم الديمقراطية البرلمانية، كما هو الحال في العراق، الذي اعتمد النظام البرلماني وليس الرئاسي، يفترض ان يشكل الحزب الفائز الحكومة بتكليف من رئيس الجمهورية بعد انتخابه في اولى جلسات البرلمان الجديد، ويقبل الخاسر بموقع المعارضة لتكون مهمته مراقبة اداء الحكومة ومحاسبتها واستغلال اخطائها، او تقصيرها، على امل الفوز بالانتخابات القادمة، لكن الديمقراطيين في العراق ابتكر لهم المحتل مبدأ او قانون التوافق، او ما سموه الشراكة الوطنية في تشكيل الحكومة، لتمرير تقاسم السلطة والوزارات ووكلاء الوزرات على اساس المحاصصة الطائفية والعرقية، حيث رئيس الدولة كردي ورئيس الحكومة شيعي ورئيس البرلمان سني، ليمتد نظام المحاصصة هذا الى جميع مرافق الدولة وكافة مؤسساتها لتصل الى اصغر دائرة حكومية، بحيث تكون هذه الوزارة من حصة هذا الحزب او ذاك او هذه الجهة او تلك. وهذا ينفي وجود معارضة امام الحزب الحاكم، الامر الذي شجع الوزراء وجميع المسؤولين على التصرف بحرية في تحقيق المكاسب الشخصية والاستيلاء على المال العام، لعدم قدرة اي جهة على محاسبة الاخر تحت ذريعة حماية الشراكة الوطنية والحفاظ على العملية السياسية. الامر الذي ادى بالضرورة الى اهمال الحكومات المتعاقبة في تقديم الخدمات للشعب العراقي، بما فيها الخدمات الضرورية كالماء والكهرباء والوقود والصحة والتعليم، ناهيك عن عدم توفير الامن والاستقرار للمواطن العراقي بحيث اصبح العراق ساحة مفتوحة للقتلة والمجرمين واللصوص وقطاع الطرق.
قد يقول البعض بان هذا النظام التحاصصي او الشراكة ليس قدرا محتوما، وانما بالامكان تغييره في الانتخابات القادمة الى نظام الاغلبية والاقلية، اي حزب حاكم واخر معارض، وان القادمين الجدد من القوى الناعمة هم من سيتولون هذا الامر. لكن الوقائع العنيدة تقول غير ذلك، حيث لا القوة الناعمة ولا الخشنة ستكون قادرة على الافلات من نظام المحاصصة المقيت، او حتى المساس بطرفه وليس بجوهره. كونها ستصطدم بقانون الانتخابات وبمواد دستورية من جهة، وبمصالح اطراف العملية السياسية المهيمنة من جهة اخرى.
فعلى الجهة الاولى، فان قانون الانتخابات الذي وضعه الحاكم المدني للعراق بول بريمر بعد الاحتلال، وسارت عليه الحكومات العراقية المتعاقبة، والذي لا يزال معمولا به لحد الان، ينص على توزيع جميع المقاعد في البرلمان على الكيانات السياسية من خلال نظام للتمثيل النسبي، ونظام الدوائر على عدد المحافظات وتوزيع المناصب على اسس طائفية وعرقية، ولن تغير من جوهر هذا القانون التعديلات المقترحة في حال اقرارها.
اما على الجهة الثانية، فان الدستور قد حمى مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية من اي تغيير دون الاشارة اليها بشكل مباشر. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد منعت المادة 126، من الدستور في بندها الثاني اي تعديل لاي مادة وردت في ‘الباب الاول – المبادئ الاساسية’، والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور والتي تنص على: ‘لا يجوز تعديل المبادىء الاساسية الواردة في الباب الاول الا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين وبناء على موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة ايام’.
اما البند الرابع من نفس المادة فهي تقول ‘لايجوز اجراء اي تعديل على مواد الدستور من شأنه أن ينتقص من صلاحيات الاقاليم التي لا تكون داخلة ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية الا بموافقة السلطة التشريعية في الاقليم المعني وموافقة غالبية سكان الاقليم’ وهذا يعني بان بامكان اقليم كردستان او اي اقليم اخر ابطال اي تعديل حتى اذا نال الشروط الاخرى.
واذا حدث بقدرة قادر وتجرأت القوى الناعمة، في حال وصولها الى البرلمان، على طرح مثل هذه التعديلات الجوهرية، ترى من سيوافقها على ذلك؟ هل هم جماعة اياد علاوي، ام صالح المطلك، ام اسامة النجيفي؟ هل هو حزب الدعوة او مقتدى الصدر او حزب الفضيلة ام فيلق غدر؟ ام ان هؤلاء سيسقطون جميعهم او بعضا منهم في الانتخابات المقبلة لصالح القوى الناعمة؟، واذا افترضنا ووافق كل هؤلاء، فهل ستوافق الاحزاب الكردية، المستفيدة رقم واحد من الدستور ونظام المحاصصة، وهي التي تملك بيدها حق استخدام الفيتو الذي منحه الدستور لها ضد اي تعديل؟، ثم من له الجرأة او الاستعداد لان يضع نفسه في مواجهة امريكا، وهي الحريصة اشد الحرص على تكريس نظام المحاصصة هذا وعدم المساس به لا من حيث الجوهر ولا من حيث الشكل؟.
دعونا ننتقل هذه المرة الى ارض الواقع، الى شهود العيان ومن اهل البيت، ونسمع ما قالوه عن الدستور، وبالصوت والصورة، فبعضهم قال بان الدستور العراقي كتب على عجل وجرى التوقيع عليه تحت ضغط الامريكان، وان مواده في اغلبها تحتوي على الغام عديدة، وانه ليس بامكان احد تغيير مادة واحدة منه، بل ان نوري المالكي ذهب ابعد من ذلك وتحدث عن حرف واحد منه. والبعض الاخر شرح لنا كيف ان هذه المحاصصة غير القابلة للتعديل رغم انها عطلت عمل الحكومة والبرلمان في كافة المجالات، وضرب لنا الاخر الامثال، وليس مثلا واحدا، عن تقييد رئيس الوزراء ومنعه من محاسبة وزرائه الذين ينتمون الى الاحزاب الاخرى، حتى اذا نهب او سرق او قصر هذا الوزير او ذاك وهكذا.
اما النظام الفدرالي الذي جاء اقراره في المادة الاولى للدستور، فقد قال عنه اخرون بانه سمح لاقليم كردستان ليصبح دولة مستقلة، او دولة داخل دولة بحيث لا يمكن اجراء اي تعديل في اي مجال دون موافقته. ترى ماذا بقي من النظام الديمقراطي لكي يسمح للقادمين الجدد، مهما علت مكانتهم داخل البرلمان لاجراء اي تعديل يصب لصالح العراق واهله؟
ولكي لا نطيل اكثر فان الانتخابات القادمة التي تجري المراهنة عليها وعلى جدواها، ليست سوى نسخة مشوهة للانتخابات التي سبقت. واذا حدث وتمخضت، لذر الرماد في العيون او لغايات في نفس المحتل، فانها لن تلد غير فأر كما يقال. وبالتالي، وباختصار شديد جدا، فان الانتخابات في العراق هي كذبة مفضوحة، وان المشاركة فيها هي بمثابة الاعتراف بمشروعية العملية السياسية، كون الانتخابات واحدة من اعمدتها، وفي نفس الوقت اعطاء الحق لذات الوجوه الكالحة التي ستفوز حتما، لمواصلة سرقاتهم من جهة وخدمة مشروع الاحتلال وتكريسه لعقود طويلة من الزمن من جهة اخرى. اما من يريد تخليص العراق من محنته فليس امامه من طريق الا المقاومة وبكل باشكالها وفي المقدمة منها المقاومة المسلحة هذه هي الحقيقة من دون لف ولا دوران.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق