بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 12 مارس 2014

3 أخطار محدقة تعترض طريق الأردن علاء الفزاع


تنهار الدول حول الأردن وتتداعى، وتتعرض لحروب أهلية وانقسامات ودماء وهجرات، رغم أن بعضها كان دولاً محورية في المنطقة، ويفترض منطقياً أن يكون الأردن ضمن السلسلة، ولكنه لم يتعرض لذلك، على الأقل حتى الآن. في تقديري أن ذلك يعود إلى أن تركيبته السكانية تتكون من نفس المذهب تقريباً، مع وجود نسبة لا بأس بها من المسيحيين. وللتفسير أكثر يبدو أن الموجة التي تضرب المنطقة في هذه الفترة هي موجة الصراع السني – الشيعي، في حين تتراجع بعيداً إلى الخلف كل التباينات التقليدية الدينية والعرقية والوطنية.
الأردن الآن يمتلك احتمالات وآفاقاً واعدة، بمجرد أن ينجو من السقوط، فهو حينئذ سيشكل بؤرة استقرار في المنطقة، وقد يكون ذلك مدخلاً لمساعدة الأشقاء على النهوض من جديد. هي عدة سنوات لا بد من اجتيازها، لتكون موجة الاضطرابات المجنونة -التي تجتاح دولاً وتهدد أخرى – قد هدأت نسبياً. إن تمكن الأردن من الصمود وسط هذه الفوضى فهو على موعد مع إنجازات مهمة، تأتي خلال الأعوام القليلة المقبلة، وهي إنجاز أنبوب النفط العراقي عبر الأردن إلى ميناء العقبة، وبدء إنتاج النفط من الصخر الزيتي، واستقرار مشروع جر مياه الديسي إلى العاصمة عمان، وبدء عمل المفاعل النووي الأردني. وهي إنجازات تساعد في زيادة تماسك كيان الدولة وترفع مستوى الثقة والثبات فيها، وتقلل من الأعباء الاقتصادية، وتجيب على تحديي الطاقة والمياه المرهقين للدولة الأردنية. ولكن وقبل الوصول إلى ذلك هناك أخطار حقيقية محدقة بالدولة الأردنية، تعترض طريقها إلى المستقبل، وتهدد بقاءها وتنذر بانزلاقها في مستنقعات التفسخ والفوضى والفشل، في حين يبدو خطر الاحتراب الأهلي بعيداً.
الخطر الأكبر على الدولة الأردنية اليوم هو خطر الفساد. تعاني الدولة الأردنية من نخبة حكم مارست وتمارس التكسب، بشكل يجعل مستقبل الدولة برمته في خطر، حتى أكثر المؤيدين والموالين تعصباً يتحدث عن الفساد. المشكلة ليست فقط في الاستيلاء على أموال وموارد وهدر فرص، ولكن في أن الفساد يجعل من المشكوك فيه جداً أن يتم إنجاز المشاريع الاستراتيجية للدولة بطريقة سليمة ووفق مصالح الدولة الأردنية. الشكوك تدور كذلك حول سلامة القرار السياسي، وحول كونه موجهاً لصالح فئات معينة مستفيدة، بدلاً من أن يكون موجهاً للصالح العام. حتى المؤشرات الدولية تقول ان الأردن تراجع بشكل ملحوظ خلال عامي 2012 و2013 على مؤشرات النزاهة، حيث ازداد الفساد بعد تحسن محدود عام 2011 مع اندلاع المظاهرات الشعبية.
ترتبط بالفساد مسائل أخرى مثل التحديات الاقتصادية وتراجع الإصلاح السياسي وضعف المشاركة الشعبية، ولكنها تعود في الأصل إلى رغبة النخب في التمسك بمكاسبها. الفساد يهدد بانزلاق الدولة إلى ما لا تحمد عقباه، ويعيق المستقبل المنتظر.
الخطر الثاني يأتي من النظرة الصهيونية القديمة المتجددة إلى الأردن. المشروع الصهيوني لا يرى في الأردن سوى دولة- مستودع قادرة على استيعاب الفائض البشري الفلسطيني، حيث يحاول أن يتخلص مما يعتبره عبئاً ديموغرافياً بأن يدفعه إلى الأردن، متجاهلاً الشعور الوطني الفلسطيني وارتباطه بالأرض الفلسطينية، ومتجاهلاً الشعور الوطني الأردني. ما يزال المشروع الصهيوني يكرر المحاولة في هذه الصدد، وسيحاول في هذه الفترة، مستغلاً الضعف العربي العام واختلال موازين القوى بشكل حاد. الخطر الصهيوني لا ينحصر في هذه الزاوية فقط، بل هو ينظر إلى الأردن كمجال حيوي له، مصادراً جزءاً من مياهه، وواضعاً اشتراطات على أي مشروع أردني استراتيجي، مثل المشروع النووي الذي تضغط إسرائيل لفرض شروطها عليه، ومثل مشروع ناقل البحرين. كما أن اشتراطات اسرائيل بخصوص غور الأردن في أي اتفاق نهائي تمثل تهديداً عسكرياً مباشراً للأرض الأردنية. معاهدة وادي عربة التي تحكم علاقة الأردن بالكيان الصهيوني جاءت في ظل اختلال حاد في موازين القوى، فكانت في معظمها لصالح الطرف القوي. وها هو ميزان القوى يختل أكثر وأكثر، ما يعطي إسرائيل القدرة على فرض واقع أقسى. ولعل تهديد الولاية الهاشمية على القدس مجرد مثال. مشروع كيري يمثل العدسة التي تجمع كل هذه الإشعاعات في بؤرة واحدة قد تسبب الاحتراق. وفي ظل الفساد الذي تعاني منه نخبة الحكم الأردنية فإن المجموع الشعبي يخشى من تمرير أشياء كثيرة في هذا الصدد.
الخطر المحدق الثالث الذي يتهدد الأردن يأتي من ضعف سيطرة الدولة على الأرض الأردنية. هناك روح تمرد، وهناك زيادة في الرغبة في تحدي سيطرة الدولة، وبالذات في المناطق العشائرية التي تعاني من تهميش شديد، ومن غياب تام للاستثمارات والتنمية. وهناك أيضاً تدفق مستمر للاجئين السوريين بشكل يفوق قدرة الدولة على السيطرة. في مثل هذه الظروف، وفي ضوء الإحباط والغضب الشعبي والفقر وانسداد الآفاق، تأتي المجموعات الجهادية والتكفيرية لتجد فرصاً استثنائية وأرضية خصبة. الأجهزة الأمنية الأردنية سهّلت وشجعت مرور الجهاديين إلى ساحات قتال مثل سوريا والعراق، ويبدو أن بعضهم بدأ بالعودة إلى الأردن، أو بالتفكير في العودة. هذه التنظيمات وبمجرد أن تشعر بمقدار معين من القوة فإنها تبدأ في محاربة الدولة. وفي ضوء الوضع الحالي في الأردن فإن فرص تلك التنظيمات في التوسع ليست قليلة، وقد تكون قادرة على إيجاد بؤر لها تتوسع شيئاً فشيئاً. وفي لحظة ما تعلن الحرب على الدولة الأردنية.
أخطار أخرى ومطبات تنتظر الأردن، بعضها داخلي وذاتي، وبعضها إقليمي قد ينتج عن تطورات مفاجئة في سوريا أو في العراق أو في دول أخرى. ومع ذلك فإن للأردن فرصة معقولة للنجاة، بل وللتقدم إلى الأمام، ولكن بشرط أن تؤخذ القرارات الصحيحة.
كاتب وصحافي أردني مقيم في السويد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق