بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 6 مارس 2014

قراءة في رواية ‘لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة’: خطاب أيديولوجي لا أكثر احمد صلال

 بقدر كبير من التشريح التعبيري، وبدقة كبيرة من الالتزام بخلع الأحكام ومحاكمتها، وقليل من الصبر التعبيري والجمالي، اختار الروائي السوري خالد خليفة أن تكون هذه المقترحات هي الأجواء التي سادت موضوعات السرد في روايته الأخيرة’ لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة’.
تسرد الرواية عبر السارد المتخفي وراء حضور أسرة حلبية يكون ابنها البكر الذي يولد مع انقلاب البعث في سنة 1963م، حيث يحاول منذ هذه البداية حتى قبيل اندلاع الثورة السورية، معالجة البنى السياسية والمجتمعية والثقافية والاقتصادية، لمدينة حلب آنذاك، والفضاء الأسري المشتبك مع الفضاء العام من أقرباء وأصدقاء ومعارف يكون الفضاء المتجاور لسرد ذي نهايات مفتوحة.
التجريب الروائي العصي على الفهم بواسطة جمل روائية طويلة، يتحكم فيها الراوي المتسلط الذي لا يترك للشخصيات فرصة لكي تكبر وتنمو وتثرثر بحرية، ناسفاً كل شيء في طريق سرده جاعلاً أنا الراوي الديكتاتور، الذي يبني الشخصيات انطباعياً كما يحلو له في ظل غياب منطقي يفسر الشخصيات نفسياً واجتماعياً ويجعل المتلقي في حالة إقناع مرضية. كل هذا يجري في ظل أجواء يحاول أن يجعلها تراجيديا حيث الموت بداية السرد ومآلاته التي تجعل الشخصيات وخياراتها فجائعية لا تقوى على شيء، وكأن توالد الأخطاء من بعضها المحطات التي يمر فيها قطار السرد نحو جنازة روائية يكتفي بخطورتها غير مكترث بتفسيرها مآلياً، ولا تحفر بقدر ما تشعر أنها انطباعية حتى الملل والمباشرة التي لا تطاق.
الشخصيات في رواية ‘لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة’ لا تملك الإقناع عبر عواملها النفسية والجسدية وأقوالها وسلوكياتها وعواطفها، مما يحولها من شخوص حقيقية إلى فكرة يحاول الراوي العالم بكل شيء أن يجعل منها فكرةً معبرةً أو مثالاً نموذجياً عن الشر المطلق الكائن في النظام الحالم، وهنا لا ضير من التجريب الناسف لكل شيء في طريقة السرد الراغبة بالتمرد على كل القيود والتكبيلات النقدية، ولكن يفترض التجريب أن يكون واعياً وعارفاً وليس تجريبا في الفراغ لا أكثر كما حصل هنا.
وغياب الكتابة التعبيرية ذات الرفاهية الجمالية العالية، يفسر حضور الثرثرة السردية المكررة غير العابئة باستنباط صور وأفكار معتنية بها ومشتغل على تشذيبها الواعي، بقدر ما يظهر الوصف الشكلاني الخارجي الفاقد لأي قيمة جوهرية أو مضافة والغائب عنه حضور الحواس وتبريزها، وكأن الرواية عبارة عن ثرثرة لم تنجز وتكرر نفسها باستمرار.
فكرة السياسة والتسييس في الرواية، بوصف الأيديولوجية جملة حقائق تحدد موقفنا من
الحياة إن كان صائباً أو خطأً، هي الصوت الأوحد الذي تحكم بالسرد، وأحال الرواية
إلى خطاب أيديولوجي جامد لا يقيم توازنا منطقيا بحوار الشخصيات بين بعضها البعض، حيث تقع مسؤولية الاستنباط والتنبؤ والاستشراف على عاتق الراوي السارد لوحده، مترافقاً ذلك إطلاق النعوت والأحكام والدلالات إلى أقصى حد ممكن الوصول إليه.
حاول خالد خليفة في روايته ‘لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة’ أن تكون روايته ذات
إيقاع نثري تعبيري من خلال المزاوجة بين الحب والكره والوفاء والخيانة والجنس والروح والوطن والغربة..عبر ثنائيات متناقضة، ولكنها جاءت قاصرة غير قادرة على
النضج في ظل لغة كانت مباشرة وخطابية، وبيئة مدينة حلب التي حاول أن يرسمها بيبلوغرافياً لتكون نموذجا يوحد الفكرة البؤرية كما يرى.عوامل لم تفلح في إعطاء إشراقة روائية في ظل زحمة جنائزية فجائعية وأيديولوجيا غير مكتملة لا أكثر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق