بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 22 مارس 2014

الخروج من القفص سمير عطا الله

قبل عامين أعلن فيليب روث، أشهر كتَّاب أميركا الآن، توقفه عن كتابة الرواية وهو في الثامنة والسبعين: «لم يعد لديَّ ما أقوله، ولم أعد أعرف الأشياء إلا من التلفزيون. سوف أنصرف الآن إلى إعادة قراءة كُتَّابي المفضلين: دوستويفسكي، همنغواي، وجوزيف كونراد».
لكنه يقول في مقابلة مع صحيفة سويدية قبل أيام، إنه أعاد أيضا قراءة أعماله كلها: 31 كتابا آخرها «الانتقام». لا يخبرنا ماذا كانت انطباعاته أو مشاعره. لكن كتَّابا كثيرين يقولون إنهم «لا يطيقون» قراءة عملهم بعد الانتهاء منه، في حين لا يكف البعض الآخر عن قراءة أعماله وكأنها لسواه. كرَّس روث كل حياته لشيء واحد: العمل. ومن أجل ذلك عاش وحيدا في الريف وفي مانهاتن: لا اجتماعيات. لا رسائل. لا إيميلات. لا هواتف. وذات مرة طلب منه صديق مسافر، أن يعتني بهرته إلى حين عودته. وبعد يومين اكتشف أنها تأخذ الكثير من وقته، فاتصل به: عُدْ على عجل وخذها من هنا.
هل هو كاتب كبير؟ «لا أدري. عندما كنت طفلا كان في أميركا ملاكم شهير يدعى جو لويس لم يهزم أمام أحد. وكان لويس قليل الثقافة، قليل الكلام، خوفا من إساءة التعبير». وفي أواخر أيامه سُئل كيف يقوِّم عمله فقال: «لقد بذلت جهدي في كل ما أملك. وأنا كذلك». هل نجح في رسم الشخصية الأميركية؟ «هذا بلد عرضه خمسة آلاف كيلومتر وفيه 300 مليون إنسان قَدِموا من جميع أنحاء الأرض، فكيف يمكن رسم الشخصية الأميركية؟».
يعتقد روث أن من يملك قوة الفنتازيا، أو الجماح، يملك السطوة. هكذا فرضت الكنيسة نفسها على أوروبا طوال قرون. هكذا عاش الجماح النازي 12 عاما. هكذا دام الجماح الشيوعي في الاتحاد السوفياتي طوال 69 عاما. الذي يسيطر في الغرب الآن هو جماح الاستهلاك. ثقافة، لا فلاسفة خلفها ولا معلمون. السطحيات و«السرعيات» هي الشائعة. الشبان يتأففون إذا تأخر طلبهم على الإنترنت خمس ثوانٍ.
يعتبر روث تقاعده خروجا من قفص جميل: «كان فرانز كافكا يقول أنا عصفور أبحث عن قفص. أنا الآن أتمتع بحريتي. في البداية وجدت اللاعمل استحالة: كيف أقوم إلى لا شيء، وأنام على لا شيء. ثم اقتنعت أنه لم يعد لديَّ ما أقوله، والعالم ليس في حاجة إلى مجرد كتاب آخر لا يقول شيئا. إنها تجربة مثيرة: ألا يكون لديك ما تهتم بأمره سوى الموت».
اعتبر روث معاديا للصهيونية، ورأى عدد من الكتَّاب اليهود الأميركيين أنه أمعن في تشويه الشخصية اليهودية الأميركية. ورأى بعض ثالث أنه ساهم كثيرا في دعم كتَّاب تشيكوسلوفاكيا الذين صنعوا «ربيع براغ». وسخر منه كاتب نيويوركي قائلا إنه يعيش في منزله الفخم في كونيتيكت من دخل يبلغ مليون دولار سنويا وليست لديه أية هموم إنسانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق