بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 12 مارس 2014

◘ حرية.. مساواة.. كفاءة بول كروغمان

لعل معظم الناس يتفقون على أن تفاوت الدخل الكبير أمر سيئ، على الرغم من أن عددا معقولا من المحافظين يعتقدون أن موضوع توزيع الدخل برمته يجب منع تناوله في النقاشات العامة. يريد ريك سانتورم، النائب ومرشح الرئاسة السابق، منع استخدام مصطلح «الطبقة الوسطى» والذي يقول إنه «حسد طبقي ولغة يسارية» من يدري؟

ولكن ما الذي يمكن فعله بشأن ذلك؟
الإجابة التقليدية في السياسة الأميركية هي «ليس كثيرا». قبل نحو أربعين سنة، نشر آرثر أوكون، المستشار الاقتصادي الأول للرئيس الراحل ليندون جونسون، كتابا تقليديا عنوانه «المساواة والكفاءة: التسوية الكبرى»، وخلاصة الكتاب أن إعادة توزيع الدخل من الأغنياء إلى الفقراء تلقي بثقلها على النمو الاقتصادي. ووضع كتاب أوكون شروط كل ما أعقبه من مناظرات: فقد يقول الديمقراطيون إن تكلفة إعادة توزيع الدخل قليلة، بينما يقول المحافظون إنها كبيرة، ولكن الجميع يعلم أن فعل أي شيء للتقليل من عدم المساواة يكون له على الأقل أثر عكسي على الناتج القومي الإجمالي.
ولكن يبدو أن ما يعلمه الجميع ليس صحيحا. فإن القيام بعمل لتقليل عدم المساواة الشديد في أميركا القرن الحادي والعشرين قد يزيد بدل أن ينقص النمو الاقتصادي. ولنبدأ بالدليل. فمن المعروف على نحو واسع أن تفاوت الدخل يتباين كثيرا بين البلدان المتقدمة. وعلى وجه الخصوص، فإن توزيع الدخل الصافي بعد الضرائب في الولايات المتحدة وبريطانيا يتفاوت كثيرا، مقارنة بفرنسا وألمانيا والدول الإسكندنافية. وقليلون من يعرفون أن هذا الاختلاف يرجع أساسا إلى السياسات الحكومية. وأوضحت معلومات جمعها مشروع لوكسمبورغ لدراسة الدخل، أن الدخل الأساسي، وهو الدخل من الأجور والرواتب والأصول وما إلى ذلك، موزع بطريقة تفتقر إلى المساواة بدرجة كبيرة في جميع البلدان تقريبا. لكن الضرائب والتحويلات (المساعدات النقدية أو العينية) تقلل من حالة عدم المساواة هذه بدرجات متفاوتة: بعضها وليس كثيرا في الولايات المتحدة وأكثر كثيرا في الكثير من البلدان الأخرى. فهل يضر تقليل عدم المساواة من خلال إعادة التوزيع بالنمو الاقتصادي؟ لا.. بحسب دراستين رئيستين قام بهما الاقتصاديون في صندوق النقد الدولي، والتي من الصعب وصفها بأنها مؤسسة يسارية. بحثت الدراسة الأولى في العلاقة التاريخية بين عدم المساواة والنمو، وتوصلت إلى أن الأمم ذات عدم المساواة في الدخل المنخفضة نسبيا، تحقق نموا اقتصاديا مستديما أفضل مقارنة بـ«الاندفاعات» العرضية. أما الدراسة الثانية والتي نشرت الشهر الماضي فبحثت مباشرة في «أثر إعادة توزيع الدخل» وتوصلت إلى أنه «يبدو أن إعادة التوزيع غير ضارة بشكل عام من حيث أثرها على النمو».
باختصار، لا يبدو أن تسوية أوكون الكبيرة هي تسوية على الإطلاق. لا يقترح أحد أننا نحاول أن نكون كوبا، ولكن تحريك السياسة الأميركية بعض الشيء باتجاه المعايير الأوروبية قد يزيد ولا ينقص من الكفاءة الاقتصادية.
من المؤكد أن يقول البعض: «ألا تشير الأزمة في أوروبا إلى الآثار المدمرة لرفاهية الدولة؟»، لا، لا تشير إلى ذلك، إن أوروبا تدفع ثمنا باهظا لتشكيلها وحدة نقدية دون وحدة سياسية، لكن ضمن منطقة اليورو فإن الدول التي تقوم بالكثير من إعادة التوزيع صمدت أمام الأزمة بصورة أفضل من تلك التي تقوم بإعادة توزيع أقل من ذلك.
فكروا بالذات في ذلك الشعار الذي يتمتع بالشعبية الكبيرة، وهو أن علينا السعي لتحقيق المساواة في الفرص وليس المساواة في الدخول. قد يروق سماع ذلك لمن ليس لديهم فكرة عن الحياة التي يعيشها عشرات الملايين من الأميركان، لكن بالنسبة لمن لديهم شعور بالواقعية فهي نكتة قاسية. فنحو 40 في المائة من الأطفال الأميركان يعيشون في الفقر أو ما يقارب الفقر. هل تعتقدون أن لديهم ذات الفرصة للحصول على التعليم والوظائف مثل أطفال الموسرين؟
في الواقع، إن الأطفال من الأسر ذات الدخل المنخفض يزيد احتمال عدم إكمالهم تعليمهم على مستوى الكليات، مقارنة بأقرانهم من أطفال الموسرين، وتزيد الفجوة بين الفئتين اتساعا بسرعة. ولا يعني ذلك مجرد الضرر لمن يولدون لسوء حظهم لآباء غير مناسبين، بل يعني أيضا هدرا متزايدا للإمكانيات البشرية، وهو هدر يؤدي بالتأكيد وإن كان بصورة غير مرئية، إلى إبطاء النمو الاقتصادي.
لا أريد أن أدعي الآن أن معالجة عدم المساواة في الدخل ستساعد الجميع. فإن الموسرين كثيرا سيخسرون أكثر بسبب الضرائب العالية أكثر مما يكسبونه من تحسن النمو الاقتصادي. لكن من الواضح تماما أن اقتحام عدم المساواة والتعامل معها سيكون مفيدا ليس للفقراء فحسب، بل للطبقة المتوسطة أيضا (عفوا سيناتور سانتورم).
باختصار، ما هو مفيد لواحد في المائة، ليس مفيدا لأميركا. ولسنا مضطرين إلى العيش في عصر مطلي بالذهب إن لم نرغب في ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق