بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 20 مارس 2014

تداعيات زيارة الرئيس محمود عباس لواشنطن د. يوسف نور عوض

في الوقت الذي تتصاعد فيه الأحداث في سوريا، وينتظر الكثيرون موقفا دوليا إيجابيا ينهي مأساة الشعب السوري، بدأت الولايات المتحدة مسارا جديدا يتعلق بإيجاد حل للقضية الفلسطينية، وقد بدأ هذا المسار بتحركات ‘جون كيري’ وزير الخارجية الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط من أجل الاجتماع بالقادة الفلسطينيين والإسرائيليين وكذلك اقتراح موعد محدد هو شهر نيسان/إبريل المقبل ليكون موعدأ نهائيا للموافقة على اتفاقية إطار بين الجانبين تكون أساسا للتوصل إلى حل يقوم على رؤية حل الدولتين ..
ولا شك أن التحركات الأمريكية في المنطقة في ظل الظروف الراهنة تجعل الكثيرين يتساءلون، هل هناك رؤية حقيقية لحل المشكلة الفلسطينية أم أن الهدف هو فقط صرف الأنظار عما يجري في سوريا؟ ولمعرفة الإجابة على ذلك سوف نركز على تطور الأحداث بين الفلسطينيين والأمريكيين من أجل إيجاد تسوية للمشكلة الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وهي مشكلة الشعب الفلسطيني.
ونبدأ بتصريحات صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين التي يقول فيها .إن على إسرائيل أن تختار بين الاستمرار في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وبين التوصل إلى اتفاقية سلام نهائية مع الفلسطينيين .وأظهر صائب عريقات في حديثه كثيرا من اليأس أمام مجموعة من الصحافيين عندما قال إن السلطة الفلسطينية أصبحت مهيأة لإنهاء تسعة أشهر من المفاوضات مع الإسرائيليين إذا لم يتوصلوا إلى اتفاقية سلام مع الفلسطينيين في موعد التاسع والعشرين من شهر نيسان/إبريل المقبل وهو الموعد الذي حددته السلطات الأمريكية للتوصل إلى اتفاقية سلام بين الجانبين ٍ.وقد أحجم صائب عريقات عن الإفصاح عن مقترحات أمريكية سرية بدعوى أن الفلسطينيين لم يتسلموا وثيقة هذه المقترحات، لكن صائب عريقات كان واضحا في القول إن أي اتفاقية بين الجانبين يجب أن تعترف للفلسطينيين بسائر الأراضي التي تم احتلالها في عام 1967.
غير أن التركيز الحقيقي كان حول الزيارة التي قام بها الرئيس الفلسطيني ‘محمود عباس′ إلى البيت الأبيض حيث التقى الرئيس الأمريكي ‘باراك أوباما’ ،الذي أكد للرئيس الفلسطيني أن اتخاذ قرارات حاسمة مع اقتراب الموعد النهائي المحدد للوصول إلى تسوية هو أمر فيه كثير من التحدي وعلى الطرفين مواجهته، وقال الرئيس ‘أوباما’ إن الموقف كله يحتاج إلى اتخاذ قرارات صعبة من الجانبين، وذلك من أجل السير بالتسوية إلى الأمام. ولم يغفل الرئيس ‘أوباما’ حقيقة أن التسوية بين الجانبين تشبه المشي في حقل ألغام، ولكنه ترك الأمر لوزير خارجيته ‘جون كيري’ كي يمشي في هذا الحقل. لكنه أكد أن التدخل الرئاسي في هذه المسألة قد يعطيها دفعا إلى الأمام، وهو مقتنع بأن الحل لا بد أن يكون من خلال دولتين على أن تكون الدولة الفلسطينية قائمة على حدود عام 1967. وقد أثنى الرئيس الأمريكي على الرئيس الفلسطيني ‘محمود عباس′ الذي قال إنه ينبذ العنف ويسعى إلى تسوية سياسية للقضية الفلسطينية .
وعلى الرغم من مواقف الرئيس الفلسطيني المعتدلة فلم يحدث انفراج في مواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يرفض إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، بل ويرفض أيضا التخلي عن المستوطنات التي بناها الإسرائيليون فوق الأراضي الفلسطينية ناهيك بالقدس التي يرفض ‘نتنياهو’ أي مطالبة فلسطينية بها .
وفي زحمة هذه الصعوبات يبدي الرئيس الفلسطيني تفاؤلا بأن إسرائيل سوف تفرج في التاسع والعشرين من شهر نيسان/إبريل المقبل عن دفعة رابعة من الأسرى الفلسطينيين في سجونها .
وعلى الرغم من روح التفاؤل التي تطفو من وقت لآخر، فيبدو أن العقبة الكبرى التي ستواجه التسوية النهائية هي مطالبة الإسرائيليين بأن تعترف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل دولة يهودية، وذلك ما لا يقبله الفلسطينيون لأن الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية يعني التضحية بحق العودة للفلسطينيين اللاجئين كما يعني حرمان الفلسطينيين من أي حقوق داخل بلادهم، ومن جهة أخرى يرى الرئيس الفلسطيني أنه لا ضرورة لاعتراف الفلسطينيين بإسرائيل دولة يهودية لأن الفلسطينيين اعترفوا بدولة إسرائيل منذ عام 1988.
ويذهب بعض الخبراء الأمريكيين إلى القول ربما لا تؤدي الجهود الأمريكية في الوقت الحاضر إلى حل للقضية الفلسطينية ولكن ‘كيري’ نجح في إدخال الطرفين في مصيدة التفاوض وذلك تقدم من وجهة النظر الأمريكية، وعلى الرغم من ذلك فإن الأمريكيين لا يتحدثون عن جدوى التفاوض بينما الطرفان مصران على موقفيهما، ذلك أن التنازل في أمور جوهرية قد لا يبدو ممكنا خاصة من الجانب الفلسطيني الذي يطالب بحقوقه الوطنية، خاًصة أن الرئيس عباس واجه خلال وجوده في البيت الأبيض ضغوطا شعبية تمثلت في مظاهرات كثيرة طالبته بألا يقدم تنازلات في الحقوق الفلسطينية الجوهرية ،وعلى الرغم من ذلك فإن الإسرائيليين يريدون التفاوض مع الرئيس ‘عباس′ الذي وصفه الرئيس الإسرائيلي ‘شيمون بيريز′ بأنه رجل مبادىء. 
ولا شك أن الوصف الإيجابي للرئيس ‘عباس′ له أهدافه وهي تشجيع الرئيس عباس على الاستمرار في المحادثات على الرغم من الصعوبات التي تواجهها. لكن ما هي الأهداف النهائية لمثل هذه المباحثات في وقت لا يرى فيه الرئيس عباس أي مقترحات إيجابية من الجانب الإسرائيلي الذي يصر على مواقفه دون تنازلات ؟ ويقول كثير من المراقبين هل يستطيع الرئيس عباس في مثل هذه الظروف أن يقول لا للرئيس′ أوباما’ ووزير خارجيته ‘جون كيري’؟ الرئيس عباس لا يريد أن يكون في هذا الوضع ولا يريد أن يحبط الجهود الأمريكية، ولكنه في الوقت ذاته لا يريد أن يقدم تنازلات جوهرية في الحقوق الفلسطينية المشروعة.
وبعيدا عن المواقف الثابتة لجميع الأطراف، فلا بد أن نعترف أن المشكلة لا تتركز حول مواقف الأطراف بل تتجاوز ذلك إلى تكوين رؤية حول طبيعة المشكلة وكيفية حلها، وذلك ما يجب التركيز عليه .
وإذا نظرنا إلى المشكلة في أساسها وجدنا أنها تتركز حول احتلال أرض الفلسطينيين بواسطة قوى أجنبية هي التي كونت الدولة الإسرائيلية، وقد كان التفكير العربي متركزا فترة طويلة حول إزالة الدولة الإسرائيلية، ولكن العرب لم يستطيعوا إزالة هذه الدولة بل تعرضوا خلال عام 1967 إلى هزيمة قاسية، وكان الموقف الدولي كله متعاطفا مع دولة إسرائيل لأسباب لا علاقة لها بالحقوق الفلسطينية، ولكن الفلسطينيين يمرون الآن بمرحلة جديدة بعد أن اعترفوا بوجود إسرائيل وأصبحوا يطالبون بدولة لهم تعيش جنبا لجنب مع دولة إسرائيل، ولكن المشكلة هي أن كثيرا من الإسرائيليين فتنوا بما أنجزوه ولم يريدوا أن ينظروا إلى آثار ما فعلوه على الشعب الفلسطيني، وبالتالي لم يستطيعوا أن يطوروا رؤية يوفرون من خلالها للشعب الفلسطيني حقوقه، وهم يعتقدون أنهم سيكونون قادرين على الاستمرار على هذا الموقف إلى ما لا نهاية، وذلك خطأ في التفكير لأن ضمان وجود دولتهم هو توفير العدالة للشعب الفلسطيني، وبدون ذلك سوف تنقلب الأمور رأسا على عقب وستجد إسرائيل نفسها تواجه المواقف القديمة، وقد لا تكون هذه المرة قادرة على الصمود أمام التحديات العربية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق