بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 8 مارس 2014

◘ العبرة السورية وليد أبي مرشد

يتندر العديد من اللبنانيين - كلما استدعى ذلك وضعهم الداخلي - برواية تقول، إن عنترة بن شداد سُئل يوما من «عنترك» على القوم؟ فكان الجواب: لم أجد من يردعني.
ما أصدق هذه الرواية الخرافية في تفسير تعامل «عنترة» موسكو، الرئيس فلاديمير بوتين، مع الانقلاب الأوكراني على ربيبه، رئيسها السابق، فيكتور يانوكوفيتش.

أول سؤال يتبادر إلى الذهن في محاولة تقويم تصرف الرئيس بوتين هو: هل يلام الرئيس الروسي، خريج مؤسسة الاستخبارات الروسية الواسعة الاطلاع (كي جي بي) إن استنتج من تجربته الشخصية مع الرئيس باراك أوباما، أن من لم يقدم على ردعه في سوريا لن يفعل ذلك في أوكرانيا؟ علما بأنه شتان ما بين أهمية سوريا وأهمية أوكرانيا بالنسبة للرئيس بوتين وأولويات الدبلوماسية الروسية.
أوكرانيا، بالنسبة لبوتين، تقع في نطاق دبلوماسية «الجوار القريب» التي تعتمدها روسيا منذ عهد القياصرة. وهذه الدبلوماسية اتخذت، بعد الحرب العالمية الثانية، منحيين ظاهرين؛ إما بسط هيمنة موسكو بـ«الواسطة» على دول «الجوار القريب» - كما كان الحال مع أوكرانيا وما هو حاليا مع طاجيكستان وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في منطقة القوقاز - أو تحييدها قسرا ومنع انضمامها إلى نادي دول حلف شمال الأطلسي، كما هو الحال مع فنلندا وروسيا البيضاء.
انطلاقا من هذه «الثوابت الدبلوماسية» يعتبر الرئيس الروسي أنه في وضع أفضل من وضع الرئيس الأميركي إبان تعامله المباشر مع الأزمة السورية. ولا بد أن يشعر أيضا أنه في موقف أقوى داخليا: بعد أن نال، وبسرعة فائقة، تأييد البرلمان الروسي لتدخله العسكري المحتمل في أوكرانيا في حين أحجم أوباما عن طلب صلاحية مماثلة من الكونغرس الأميركي للتدخل في سوريا مخافة أن تخذله الأكثرية «الجمهورية».
وإذا كان قد سبق للرئيس أوباما أن صعّد دبلوماسية «شفير الهاوية» مع سوريا إلى حد التهديد بتدخل عسكري مباشر وحشد أسطوله قبالة ساحلها لهذه الغاية، فإن تراجعه السريع عن وعيده «تجاوبا» مع مبادرة من الرئيس الروسي لم «ينفس» مصداقية تهديداته فحسب، بل قلب رأسا على عقب لب النزاع السياسي السوري ليحصره بموضوع أحادي هو استعمال النظام للسلاح الكيماوي.
تراجع الرئيس أوباما عن تهديده لسوريا بثمن جانبي لن يقابله، كما يبدو، تراجع روسي «بلا ثمن» في النزاع الأوكراني. واستكمال روسيا حملة سيطرتها الكاملة على شبه جزيرة القرم، رغم كل التحذيرات الأميركية والأوروبية، رسالة واضحة لواشنطن.
بالنسبة للرئيس بوتين، انقضت إلى غير رجعة الأيام التي كانت تسمح لرئيس أميركي مقدام، مثل جون كيندي، بممارسة دبلوماسية «شفير الهاوية» مع موسكو وإجبارها على سحب صواريخها من كوبا.
في عهد بوتين، وتحديدا بعد التجربة السورية، أصبحت موسكو القوة التي تمارس، دوليا، سياسة «شفير الهاوية» والدولة العاملة على إثبات أن دورها المحوري على الساحة الدولية لم يكن مربوطا بـ«سوفياتيتها»، بل بواقعها «الجيوبوليتي».
وهنا يصح القول بأن الرئيس بوتين لا يثأر لنكسة كوبا الدبلوماسية فحسب، بل أيضا لتصوّر الغرب أن انهيار الإمبراطورية السوفياتية عدّل ميزان القوى بين «الشرق» و«الغرب» بحيث أصبحت الولايات المتحدة «القوة الأعظم» في القرن الحادي والعشرين.. وعليه لم يتردد بوتين في تبليغ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معا أن روسيا «الشوفينية» أشرس من روسيا «السوفياتية» وأحرص منها على دور فاعل على الساحة الدولية، وإذا كان «الغرب» لم يأخذ علما بذلك بعد التجربة السورية فعليه أن يأخذها اليوم من التجربة الأوكرانية.
روسيا «ما قبل النزاع السوري.. وما بعده» قد يصح عنوانا عريضا لمرحلة تشهد عودة روسيا بقوة إلى الساحة الدولية.. مقابل تقلص النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط وإلى حد ما في أوروبا.
إلا أن المفارقة اللافتة في هذا السياق، أن الدولة التي حرصت إبان عزها السياسي على الترويج عبثا لـ«محوريتها» في منطقة الشرق الأوسط، أي سوريا، لم تنجح في إثبات ذلك إلا بعد انهيارها سياسيا وأمنيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق