بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 20 مارس 2014

◘ ربيع الفضائيات الكردية -إبراهيم حاج عبدي

في قصيدته الأرض اليباب يقول ت.س.إليوت «أبريل أقسى الشهور»، غير أن الشعراء الأكراد قاموا بتحوير هذه العبارة لتصبح «آذار أقسى الشهور»، ذلك أن مصائب الأكراد وخيباتهم وهمومهم وانتصاراتهم وأفراحهم القليلة تكاد تجتمع في هذا الشهر من دون غيره. وإذا استثنينا الحدث الأهم وهو عيد نوروز (اليوم الجديد) الذي يصادف في 21
منه، فإن ثمة محطات ووقائع كثيرة تحتل مفكرة هذا الشهر، وكأن الجينات الكردية تتبدل مع هذا الانقلاب الربيعي فلا يمكن أن يمر من دون أن يضيف حدثاً جديداً إلى ذلك التاريخ الطويل. الثورات الكردية تنطلق في هذا الشهر ومآسيهم تتجدد فيه، من مجزرة حلبجة إلى ولادة ورحيل الزعيم مصطفى البرزاني، وكذلك رحيل المغني الكردي المعروف محمد شيخو وإعدام الزعيم المعروف قائد جمهورية مهاباد قاضي محمد، وصولاً إلى اتفاقية الحكم الذاتي مع الحكومة العراقية، وانطلاقة الانتفاضات الكردية، وآخر هذه المآسي تمثل في استشهاد «حلبجة» (سميت باسم البلدة التي شهدت المجزرة) ابنة الشاعر السوري طه خليل مع مجموعة من رفاقها في انفجار بالقامشلي، قبل أيام، تبنته «داعش».

تنشط الفضائيات الكردية في هذا الشهر على نحو لافت، فالأحداث كثيرة وقد راكمها تاريخ طويل، وعليها أن تكون حاضرة وجاهزة لاستعادة ما تحفل به مفكرة الأيام، وما يزخر به هذا الأرشيف الضخم. وهي لا تبذل مشقة في العثور على مناسبات لا تحصى، بيد أن طريقة التناول تختلف، فمحطات تركز على أحداث دون أخرى، وبعضها يتجاهل حدثاً ويولي أهمية كبرى لحدث آخر، ما يجعل من هذا الشهر مسرحاً تتبارى فيها المحطات الكردية وتثبت جدارتها أو تخفق في الامتحان.
وعلى اعتبار أن الأحداث تتوزع بين المأساة والملهاة، فإن الشاشات، بدورها، تنقسم تبعاً لهذا التصنيف، فهي تظهر الدمعة والابتسامة معاً، وتبرز آهات الحزن إلى جانب تهاليل الفرح، وهكذا تختلط الرقصات والدبكات بذكريات الحروب وسنوات الكفاح، وتمتزج آهات الثكالى بصيحات انتصار الثوار، وتتداخل حكايات التشرد والرحيل مع قصص الصمود والتضحية، وتتناوب الإيقاعات الخفيفة السريعة مع ضروب الشجن الهادئ.
تتلون الفضائيات الكردية من دياربكر إلى أربيل ومهاباد وقامشلو... وتتحول الاستوديوات في كردستان العراق وبعض العواصم الأوروبية إلى خلية دؤوبة بحثاً عن محللين وناشطين وخبراء، وتصدح الأغاني الملائمة لهذه المناسبة أو تلك، وتتجلى روح الفنون وكرنفال الرقص والأزياء في هذا الشهر الذي يعد بمثابة الربيع لفضائيات لن تتكبد أي عناء في اختيار المواضيع. ثمة عناوين كثيرة ولا يترتب على الطواقم الفنية في هذه الشاشة أو تلك سوى حزم الحقائب والانطلاق نحو فضاء يحفل بقصص لا تنتهي، فمع تفتح زهور الربيع هناك الكثير مما يمكن أن يقال... إنه شهر يختزل التاريخ الكردي الطويل، والذي يتحول إلى صورة على شاشة، مع تفاوت في طبيعة الأداء وكيفية المعالجة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق