بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 29 مارس 2014

◘ عن هواجس حق العودة والتوطين لأكثر من فلسطين! - عادل مالك

عادت فلسطين!

- هل عادت حقاً؟
- نعم عادت لتكون موضوع التداول والمزايدات في مؤتمرات القمة العربية، وآخرها الذي عُقد في الكويت.
فمنذ قيام ما أُطلق عليه تجاوزاً «الربيع العربي» سقط الحديث عن «القضية العربية
المحورية». واليوم عادت القضية الى الوهج الاعلامي على الاقل.
وفي ما يأتي المحطات التي توقف عندها الحديث عن القضية الفلسطينية في الساعات والأيام القليلة الماضية.
الملك عبدالله الثاني في واشنطن: استمر اللقاء بينه وبين الرئيس باراك اوباما اكثر من ساعتين ونصف الساعة. وهذا وقت لافت قياساً إلى اللقاءات الروتينية بين زعماء العالم.
وهذا ما دفع رئيس تحرير «الحياة» الزميل الأستاذ غسان شربل الى سؤال العاهل الاردني عما جرى خلال هذا اللقاء الطويل. «وهل صحيح ان اهتمام اميركا بمنطقتنا تراجع وأنها تعطي الاولوية لمفاوضاتها مع ايران متجاهلة مصالح حلفائها»؟
اجاب الملك عبدالله الثاني: «في اطار حديثي عن القضية الفلسطينية، اكدت انه لا يوجد بديل منطقى وعملى لحل الدولتين وأن نافده هذا الحل لن تبقى متاحة الى الابد. فتغير الحقائق على الارض في ما يخص التواصل الجغرافي لأراضي الدولة الفلسطينية يتطلب الاسراع في انجاز السلام العادل والشامل تحت رعاية ومظلة اميركية تضمن تحقيق العدالة («الحياة» 22 آذار/مارس 2014).

هذا في جانب. أما في جانب آخر، فمن الواضح ان الرئيس اوباما سيكرس جهداً كبيراً لإحداث «اختراق ما» على صعيد المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية. ومن اجل ذلك، يمضي وزير الخارجية جون كيري القسم الاكبر من وقته في المنطقة، وقام حتى الآن بستة عشر زيارة الى المنطقة من اجل تحريك مسار السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين.

وحتى الآن تصطدم كل محاولات تحقيق انفراج ما بتصلب بنيامين نتانياهو، ويعرقل التوصل الى حل من جهة، اضافة الى طغيان موضوع سورية على ما عداه من قضايا المنطقة وشؤونها. حتى أن مفردات الصراع العربي - الاسرائيلي بدأت تنطبق على الصراعات الاخرى في المنطقة، ومن هذا المنطلق انتقلت مفردات «حق العودة» و «التوطين» من صيغة الفرد الى صيغة المثنى وحتى الى صيغة الجمع.

فحتى الامس القريب كانت الاشارة الى «التوطين» محصورة بفلسطين، باللاجئين المنتشرين في طول المنطقة وعرضها وفي العالم. لكن هذا التعبير اتسع كثيراً في الآونة الاخيرة ليشمل السوريين المنتشرين بالملايين سواء على الاراضي السورية وبخاصة في دول الجوار وفي الشتات.

والمناطق الجغرافية الأكثر تحديداً في هذا الشأن واضحة وهي لبنان والاردن في شكل اساسي.

لكن ماذا يقول التاريخ في هذا الشأن؟

تعود قضية نزوح اللاجئين الفلسطينيين عن اراضيهم ومنازلهم الى مأساة العام 1948، حين احتلت اسرائيل الاراضي عنوة. ومع مرور الزمن والتعقيدات تزداد أمام حل القضية الفلسطينية، وها هي الأزمة تتواصل على ما يزيد على 65 عاماً، وما زال امل العودة بالنسبة الى اصحاب الارض الحقيقيين سراباً بالنسبة الى اللاجئين. وككل شيء في العالم العربي تحول الموقت الى صفة الديمومة وتواصل موعد العودة لكل هذا الوقت الطويل.

وقد عانى الفلسطينيون حتى في الدول التي نزحوا اليها من حالات كلها بؤس وشقاء. وفي لبنان امتنعت السلطات طوال كل هذه الفترة عن تقديم كال التسهيلات للاجئين الفلسطينيين المقيمين في المخيمات على الاراضي اللبنانية. وكانت اجابة السلطة اللبنانية المختصة انها لا تستطيع تقديم كل التسهيلات المطلوبة، حفاظاً على حق العودة، وحتى لا يخسر الفلسطينيون هذا الحق عندما تقوم الدولة الفلسطينية ذات يوم!

لكن السؤال الكبير: كم يقدر عدد الفلسطينيين الذين سيغادورن لبنان على سبيل المثال عائدين الى فلسطين؟ واستطراداً، فإن الدولة الفلسطينية الموعود بها كم تتسع للفلسطينيين الذين يقررون ربما العودة من دول الشتات الى ارض الوطن الفلسطيني؟ وهنا سينشأ من جديد مأزق البقاء حيث هم، او المغامرة بالعودة الى دولة فلسطين – الام (او في جزء منها على الاقل).

إن سؤال اللاجئين اصبح ينطبق على السوريين التائهين في المسافات البعيدة بحثاً عن خيمة تبيت فيها العائلات وبخاصة افرادها الصغار من الاطفال الذين يتحملون ما لا يتحمله اي طفل في العالم.

وفي الحديث عن المأساة السورية الذي بات مترابطاً مع المأساة الفلسطينية، فإن المنظمات التابعة للامم المتحدة تقدر عدد الذين سيفدون الى لبنان في نهاية العام 2015 بـ 5 ملايين سوري، اي ما يتجاوز عدد سكان لبنان الاصليين والمقيمين، فكيف سيكون وضع هؤلاء النازحين وسط المساعدات التي تصل اليهم بالقطارة لأن المنظمات المعنية بمساعدة هذا النوع من النازحين لم تقدم كل ما وعدت به من مساعدات، او كل ما يحتاج اليه اللاجئون السوريون وهذه مأساة كبرى، ويجب ان تستعد السلطات اللبنانية منذ الآن، لأن عدد اللاجئين السوريين القادمين من سورية يفوق قدرة وطاقة لبنان على الاحتواء. وهناك المشاكل المتعلقة بالتعامل بين النازحين من جهة والمقيمين من جهة ثانية... وما هي قدرة السلطات اللبنانية على احتواء ازمة من هذا النوع؟

اذاً... عادت قضية فلسطين الى البيانات العربية على الاقل، فيما برزت مشاكل اخرى تفوق قضية الفلسطينيين تعقيداً.

اذا ما انتقلنا الى الازمة السورية والتي اصبح حالها يشبه الواقع الفلسطيني، نرى الآتي:

سورية اذاً في سنة رابعة حرب! ولو تم استحضار التعليقات والتحليلات والتنظيرات الخاصة بالوضع في سورية لاتضح جلياً ان كل ما كتب بهذا الشأن كان بعيداً من وقائع الامور وهذا يعكس في جملة ما يعكس عدم المعرفة اليقينية بطبيعة النظام في سورية وسوء التقدير لمسار الحرب، وكذلك عدم المعرفة الصحيحة بالنسبة الى «المعارضة السورية» بل المعارضات المنقسمة على نفسها والتي فشلت في التعاطي مع «المجتمع الغربي»، والاعتماد عليه في القيام بالمهام والادوار المطلوبة منهم، ولو حدث ذلك لأمكن ان تسلك الحرب السورية طريقاً آخر غير الذي سلكته حتى الآن والتي حفلت بالكثير من الأخطاء القاتله وليتضح مع مرور الزمن ان بشار الأسد هو الرئيس الاكثر تكلفة في التاريخ الحديث!

ومن المفارقات التي تلازم الحالة السورية ان بشار الأسد يحضر لخوض معركته الانتخابية لتجديد الولاية!

اما المفارقة الصارخة فتمثلت في ما آلت اليه ظروف المواجهات والمنازلات في طول سورية وعرضها إن طرح الوضع على الشكل الآتي:

اذا كان هناك من مجال للاختيار فمن تختار: بشار الأسد ام مجموعات «داعش» و «جبهة النصرة»؟

واليوم يلاحظ ان الرئيس السوري استأنف نشاطه العلني ويمارس نشاطه وكأن شيئاً لم يكن، وعلى سبيل المثال لا الحصر، هو بعث اخيراً برسالة دعم وتأييد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في معركته لضم شبه جزيرة القرم الى الاتحاد الروسي رداً للمعروف الروسي بتأمين غطاء كبير لحماية النظام السوري من كل القرارات الدولية التي حاول مجلس الامن اصدارها لكن «الفيتو الروسي» ابطل كل هذه القرارات وقدم دعماً نادراً للنظام السوري.

لوجستيا يبرود: البركان المتأجج الذي يقذف بحممه وشظاياه ولبنان اكبر الخاسرين ويشكو الكثير من المساعدين المقربين من الرئيس الاميركي باراك اوباما انه يتصرف بـ «ديكتاتورية» واضحة عندما يأتي الامر الى سورية، وهذا ما ازعج بعض مستشاريه.

وفي السياق نفسه يكشف الملك عبدالله الثاني ماذا دار في لقائه الطويل مع الرئيس اوباما فيقول: «ان حديثي حول سورية تمحور حول التحذير من خطورة استمرار الازمة التي دخلت عامها الرابع، بخاصة في ما يتصل بتصاعد التطرف والارهاب وما نلمسه من توسع للصراع الطائفي والارهاب لبعض دول جوار سورية».

لكن الرئيس اوباما يضع كل ثقله هذه الايام على الاقل لتحسين علاقات الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية. وبقدر ما يقدم من شروحات حول الدور المطلوب من ايران فهو لن يلقى تجاوباً من السعودية الدولة الكبرى في الخليج وما يتخطى الخليج لأن عامل الثقة قد اهتز.

إن آخر التحركات على هذا الصعيد اللقاء الذي جمع الرئيس باراك اوباما والرئيس الفلسطيني محمود عباس في المكتب البيضاوي في البيت الابيض. وخلال اللقاء طلب اوباما من عباس تمديد فترة المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي الى بضعة شهور جديدة افساحاً في المجال لتحقيق تقدم ما زال سراباً حتى الآن.

ووجد عباس في اقتراح اوباما فرصة يمكن البناء عليها، فطالب بالإفراج عن عدد كبير من المعتقلين في الســـجون الاسرائيلــــية وبخاصة المرضى منـــهم فوعد اوباما بدراسة الطلب.

وتكشف لنا مصادر قريبة من هذا الموضوع ان بعض المساعي تبذل في «اتجاه خاص ومستقل» لتأمين الإفراج عن احد الزعماء التاريخيين لحركة فتح» وهو مروان البرغوثي (المحكوم بخمسة احكام مؤبدة). ويجرى العمل بـ «جدية وهدوء» على حد وصف المصادر لأن الإفراج عن البرغوثي يعتبر انجازاً فلسطينياً كبيراً في غياب الانجازات الاخرى، باعتبار أن مروان البرغوثي هو «الخليفة الطبيعي» للرئيس الحالي محمود عباس. كذلك اصر عباس خلال اجتماعة بالرئيس اوباما على الطلب وبإلحاح العمل على وقف بناء المزيد من المستوطنات لأن المضي في عمليات البناء وفي مواقع محدودة من مدينة القدس بالذات من شأنه ان يقطّع اوصال الدولة الفلسطينية الموعود بها من زمان.

على ان المعركة الكبرى التي يخوضها بنيامين نتانياهو تتمثل في اعلان اسرائيل «دولة يهودية»، واذا ما سارت التطورات في هذا الاتجاه، فهذا يعني «نهاية القضية العربية المركزية والمحورية» حيث يسقط حق الفلسطينيين نهائياً في العودة وتعلن اسرائيل بموجب ذلك خلو دولتها من اي مواطن فلسطيني او عربي!

وبعد...

* حقق الجيش السوري النظامي والحلفاء من مقاتلي «حزب الله» ما اعتبر انجازاً استراتيجياً هاماً، في السيطرة على يبرود وضواحيها، وهذا يؤشر الى ان المواجهات العسكرية متواصلة في سورية وفي اعتقاد بعض المراقبين ان فشل «الحل السياسي» لا يترك إلا خياراً وحيداً وهو الحسم العسكري في الميدان.

وهذا يعني استمرار الأخطار الآتية على لبنان من الإعصار السوري.

*يؤكد الرئيس اوباما ان الحرب في سورية هي «حرب الآخرين الاهلية» لكن ماذا يقترح للحل؟ يقول: «الحرب في سورية تهدد استقرار المنطقة بما فيها لبنان، وعلى المجتمع الدولي ان يزيد من مجهوده للعناية بالشعب السوري وتقوية المعارضة السورية المعتدلة».

هذا التخبط في ادارة الرئيس باراك اوباما والشكوى من ممارسته «ديكتاتورية مطلقة» في القرارات والمواقف المتصلة بالشرق الاوسط... مثل هذه السياسة لا تنبئ بالتوصل الى حل وشيك قبل مغادرة اوباما البيت الابيض بعد ولايته الثانية والاخيرة.

إن الخوف الاكبر ان يقوم في المنطقة «اكثر من فلسطين» واحدة! وهذه هي اكبر وأخطر الهواجس العابرة. بل ان الكثير من القرائن يشير الى قيام اكثر من فلسطين واحدة وكي يتساوى العرب في النكبات ولتحصل اسرائيل على كل المكاسب التي سلبتها من اصحابها الشرعيين والحقيقيين، ولتبقى اسرائيل «العنصر الغريب» المزروع في المنطقة الى ان يخلق الله ما لا تعلمون!

وحول القمة العربية الاخيرة في الكويت، هل من شيء لافت يذكر؟

لقد جددت القمة «الحديث» عن فلسطين وضرورة استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني... اي العودة الى البديهيات.

كيف يمكن ان تكون كلمة عربية جامعة وسط الكثير من التصدعات الخليجية بخاصة والعربية بعامة؟

ان اسرائيل لا تحتاج الى اكثر مما يجري في عالم عربي ممزق وكيف ترتاح وتطمئن الى انها باقية بخير... بانتظار «صحوة ما» تحل على كل الناطقين بلغة الضاد.

يبدو ان فلسطين واحدة لم تعد تكفي، لذا يسعى البعض الى قيام اكثر من فلسطين. وحق العودة وهاجس «التوطين» القسري والاضطراري هو السائد الى ان يقضي الله امراً كان مفعولاً. انه عصر «الفلسطينات»!
* إعلامي لبناني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق