بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 6 مارس 2014

أمازيغ - ابراهيم حاج عبدي

كان علينا أن ننتظر فضائية أميركية، ناطقة بالعربية، تبث من وراء الأطلسي، حتى تستعرض لنا جانباً من ثقافة وتقاليد الأمازيع في الجزائر. ففي الحلقة الماضية من برنامج «حكايات مع أكرم خزام»، وهو اسم مقدم البرنامج، جال المشاهد العربي في شوارع وأزقة العاصمة الجزائرية، برفقة كاميرا قناة «الحرة»، كي يتعرف الى ملامح من فنون الأمازيغ الذين يعيشون في المنطقة الجغرافية الممتدة من واحة سيوة في مصر شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، ومن ساحل البحر المتوسط شمالاً إلى أعماق الصحراء الكبرى في نيجيريا ومالي جنوباً.
والأمازيغ، وهي مفردة تعني الرجال الأحرار أو النبلاء، يمثلون نسبة عالية من سكان دول المغرب العربي، خصوصاً، إذ تصل إلى نحو 50 في المئة من سكان الجزائر، كما جاء في البرنامج الذي سلط الضوء على غناء وموسيقى الأمازيغ، واستحضر بعض الرموز التقليدية لديهم، وشكل الأزياء الحافلة بالألوان المستمدة من ثراء الطبيعة، وجمالية التشكيل الذي يحتفي بماضيهم الحافل بالأساطير والحكايات الساحرة. لكن كل هذه «الواقعية السحرية» ظل طي الكتمان والنسيان في البلاد التي ترفع شعار «الرسائل الخالدة»، وتتغنى بالعرق الصافي، الناطق بلغة الضاد بلا ارتباك.
البرنامج لم يقدم الكثير عن هذه الاثنية التي تتمتع بخصوصية عرقية وثقافية، وتمتلك عادات وطقوساً خاصة بها، غير أنه نبه إلى «الغياب المدوي» لهذه الشريحة الاجتماعية عن الشاشات العربية التي تملأ ساحات البث بمواضيع «باهتة»، وتتجاهل شعوب تعيش في البلاد العربية مثل الأكراد والأرمن والشركس والامازيغ وغيرهم ممن يشكلون مادة خصبة للتلفزة، على اعتبار أن لديهم قصصاً جذابة وتاريخاً موغلاً في القدم يستحق أن يروى. ولكن لماذا ستكلف هذه الفضائيات نفسها عناء الذهاب إلى جبال كردستان الوعرة وإلى رمال الصحراء الكبرى وإلى الحواضر والأرياف النائية كي تعود بمواد ربما لا ترضي مزاج المشاهد الذي يبحث عن الخفة والمرح وسط هذا الفضاء القاتم؟
من هنا، لا بد من أن نثمن الجهد الذي قامت به قناة «الحرة»، فهي أيقظت صوراً وتواريخ منسية، وصدحت بإيقاع غير مألوف عن بشر «تربوا على حب الفن والجمال، وسعوا دائماً إلى الحرية»، كما عبّر خزام. ومع أن البرنامج لا يعد سابقة، فثمة محاولات مماثلة سعت إلى إظهار هذا الثراء العرقي واللغوي والحضاري في العالم العربي، بيد انها، في المحصلة الأخيرة، محاولات خجولة، ومبتورة لا ترقى إلى مستوى هذا التنوع السكاني الغني. وفي حين تتباهى بلدان كثيرة بتنوعها الثقافي إلا أن «بلاد العرب أوطاني» تصر، وإن بدرجات متفاوتة، على تغييب كل ما هو مغاير، وتمعن في إلغاء الآخر. ولا مبالغة في القول إن هذا الاقصاء شكّل أحد أبرز عوامل «الربيع العربي»، بصرف النظر عن نتائجه، وتداعياته اللاحقة، فهل سنشهد تغييراً قريباً في «رتابة الأداء التلفزيوني»، أقله، على هذا الصعيد؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق