بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 19 مارس 2014

◘ أثرياء فلسطين: هل يمكلون ملايينهم حقا؟ بسام البدارين

صديقي الفلسطيني الشاب وخبير الإتصالات الدولي ‘أيمن’ غادر حياة النعيم والسفر والدولارات في مختلف دول العالم وإتخذ قرارا عجيبا ثلاثي الأبعاد: الإنتقال فورا من الكويت إلى قريته الفلسطينية والتحول إلى الزراعة ، تقليص
مستوى معيشته ونفقته العائلية من ثمانية آلاف دولار تقريبا إلى أقل من ألف دولار والقرار الثالث هو الأهم :إغلاق جميع قنوات التلفزيون ومنع الإنترنت وعدم الإستماع للأخبار العربية.أيمن وجد متعة لا تقارن في حياته الجديدة وبدأ يفكر بالأم الحقيقية وهي الأرض وتمكن بالعقل من فلاحة وزراعة قطعة ارض يملكها وسط غابة من المستوطنين وإندفع في موجة زراعة علمية تحاول تحليل تكنولوجيا الزراعة الإسرائيلية وإكتشف سلسلة إكتشافات مذهلة أقلها أن زراعة أرضه بعيدا عن الوطنية والسياسة يمكن ان تكفل له بدلا ماليا يفوق ما يمكن ان يحصل عليه في أوروبا وان إسرائيل مشروع زائل لا محالة ولن تبقى وأنه يشعر بمتعة عظيمة مع اولاده في البيت والحقل.

وجهة نظر صديقي المزارع أن قوة في الكون لا تستطيع فصل الفلسطيني عن أرضه وتحرير فلسطين يبدأ من التشبث بزراعة حوش البيت وان أفضل ما يمكن أن يفعله الفلسطيني او المواطن العربي هذه الأيام ‘إزدراء’ كل النظام الرسمي العربي – بما فيه الفصائل الفلسطينية- والتوقف عن الرهان عليه وتدشين المعركة الوجودية مع إسرائيل بزراعة الأرض.
وفي الأثناء التركيز على المقتل الذي داهمتنا الأمم منه مرارا وتكرارا وهو ‘التعليم’.
قلت للصديق الطيب بأن خبرته الواسعة في قطاع الإتصالات تجعله مميزا وانه يستطيع العمل في الخارج وتمويل مشاريع زراعية صغيرة في فلسطين لكنه إعتبر أن الإسترسال في هذه ‘الإزدواجية’ هي علة ومشكلة النخب الفلسطينية في الخارج مقترحا أنه إتخذ قرارا نهائيا ويستمتع به وينبغي عليه التركيز على قراره الجديد بدون الدخول في حالة فصام جديدة مؤكدا بأن الخيار إما البقاء في حضن عقلية وذهنية ‘الكفيل’ بالخارج او تنسم هواء التراب في فلسطين على أساس أن الجمع بين ‘الحسنيين’ تمثيل وتدجيل برأيه.
..أعجبتني فكرة الشاب ولا اجد مكانا إلا في سياق تدعيمها وتشجيعها لانها تعني بأن النظام الرسمي العربي الذي نعرفه سقط فعلا بكل الإمتحانات والرهان الوحيد على الشعوب والشباب العربي خصوصا عندما يتعلق الأمر بمسرحية السلطة والمفاوضات ومهزلة الفصائل كما يسميها أيمن.
صديق آخر عاد للتو من أمريكا ويملك من العلم والمال ما يؤهله للإسترخاء بعيدا عن فلسطين لكنه يصر على بناء منزل ومزرعة صغيرة في قريته الفلسطينية وعند الإقامة في المكان إكتشف السبب في الهجوم العنيف الذي تشنه الخنازير البرية على مزروعات الشعب الفلسطيني قائلا إنها ‘المزابل’.
يمكن إعتبار مقاومة الخنازير شيء من سلوك المقاومة والتأسيس للبقاء في الأرض وما ألاحظه عموما عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين ان من يفكرون بإيجاد منزل وموطىء قدم هم عموما الفقراء وابناء الطبقى الوسطى او من تيسر منهم اما الأثرياء جدا من الطبقة المخملية فيمكنهم تمويل وإسناد عشرات المشاريع المتوسطة للمساهمة في صمود الناس وتعزيز فرص حياتهم وتحسينها لمستوى وطني يصلح للرد على الصلف الإسرائيلي.
لكن الحديث عن دور ‘رأس المال الفلسطيني’ تحديدا في الوطنية وفي دعم الشعب الفلسطيني يسترسل مجددا بعد الحديث مع أيمن وصديقي مقاوم الخنازير خصوصا في ظل قناعة الخبراء بان شخصيات فلسطينية في العالم تملك ما يزيد عن ‘تريليون’ دولار مع بعضها البعض لا يتوجه أي جزء فاعل وحقيقي منها لصالح القضية الفلسطينية أو لصالح تحرير فلسطين خلافا لما يفعله الممولون اليهود مع كيانهم الإسرائيلي غير الناجز.
من حقي كمواطن عربي ان اعبر عن إيماني بتخاذل عجيب وغريب وغامض يمارسه يوميا رأس المال الفلسطيني في دعم وإسناد الشعب الفلسطيني خصوصا عند طبقة الاثرياء جدا الذين يستحمون بالنعمة ويمولون مشاريع من عطاءات للجيش الأمريكي او يقيمون إستثمارات في النصف الغربي من العالم وفي الخليج بدون تقديم ولو’فكة’ لصالح صمود الناس الطيبين فيالقدس.
أعرف حقائق مخجلة واجهتها شخصيا عن هذا الملف يدفعني الحديث عنها للشعور بالخجل الفعلي خصوصا عن من يتاجرون من مليونيرات فلسطين بدماء الشهداء وبحصار الضفة الغربية واهلها والقطاع ويحتكرون كل صغيرة وكبيرة ويتعاونون مع العدو من اجل مصالحهم.
ظاهرة ‘جين وتخاذل’ رأس المال الفلسطيني بحاجة فعلية لدراسة وتأمل وكذلك دوره السلبي جدا في شراء أراضي وعقارات في فلسطين او تدعيم صمود الأهل في القدس وبالقرب من المستوطنات.
طبعا لا ينطبق الأمر على الجميع فنحن نعرف تلك الأيادي البيضاء التي دعمت اهلنا في فلسطين في بعض الأحيان لكن لدى رموز رأس المال الكبار أو لدى بعضهم مؤشرات حيوية تدلل على ‘دور مريب’ وغريب في هذا الإتجاه لبعض من يتعاملون مع شعبهم الفلسطيني ووطنهم وكأن العرس عند الجيران رغم أن ثرواتهم في الأردن والخليج وأوروبا وأمريكا تراكمت بناء على فرص اتيحت لهم بصفتهم ‘الفلسطينية’.
لدينا تجربة مريرة ومخيفة عن إمتناع كثيرين عن دعم مؤسسات في الــقدس والإشاحة بوجوهم والإدلاء بتصريحات غريبة مملة عندما نطالبهم بدعم ولو صغير لمشاريع متعلقة بصمود الناس في الأرض.
لا يوجد تفسير لظاهرة ‘تخاذل’ رأس المال الفلسطيني في المفاصل الأساسية خارج سياق عبارة قالها لي صديق خبير بهؤلاء ..’هؤلاء لأسباب متعددة لا يستطيعون أصلا التصرف بما يملكونه’.
كما قرر صديقي أيمن مغادرة حالة ‘الكفيل’ والإستمتاع بزراعة قطعة أرض في فلسطين ينبغي على من يملكون أكثر بكثير من أيمن وعائلته وعشيرته أن يفكروا بإنفاق ولو نزر يسير من الوقت لوضع جزء من مالهم الوفير في خدمة المزارعين الفلسطينيين الذين يواجهون حربا طاحنة تستهدف الوطن وفكرة الزراعة نفسها وسط ماكينة تكنولوجيا صهيونية إستعمارية تجعل الأرض خصبة ومنتجة وتدر الملايين لكن لمن يحتلها وليس لأصحابها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق