بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 13 مارس 2014

شهيد الضفتين و’كرامة’ الحكومة الأردنية بسام البدارين

لا اعرف سببا من اي نوع يمكن ان يفسر استخدام صيغة ‘مواطن فلسطيني’ في التعريف بالقاضي الاردني الدكتور رائد زعيتر الذي سقط شهيدا الاثنين الماضي برصاص جندي اسرائيلي بعد امتار فقط من مساحة السيادة الاردنية.
المسؤولون الاردنيون وتحديدا في قطاع الاعلام وجميع ابناء الشعب الاردني كان يمكن ان يمثل اي منهم امام القاضي زعيتر وهو يجلس في محكمة اردنية تصدر قراراتها بموجب قوانين اردنية ويترأس سلطاتها بموجب الدستور ملك الاردن.
من خططوا او اجتهدوا في حرمان أول شهيد للقضاء الاردني في مواجهة لها علاقة بالكرامة البشرية مع جيش الاحتلال الاسرائيلي من صفته كمواطن اردني كانوا سيخضعون لقوة القانون ويجلسون بخشوع امام الشهيد الحي في محكمة الصلح الاردنية بصفته حارسا على حقوقهم وعلى مصالحهم وضامنا لعدم الاعتداء عليهم.
البائسون الذين هبطوا في مستوى التعبير وهم يروجون لحرمان أنبل الناس وأنبل الاردنيين من لقب الشهيد لا يسيئون الا لانفسهم في الواقع والا للقضاء الاردني النزيه المستقل وللاردنيين قيادة وشعبا ودولة وحكومة كما يسيئون لدماء ابائهم واجدادهم التي سقطت زكية على ثرى فلسطين واسوار القدسباسم الهوية والعشائرية الاردنية المشرفة.
الحيرة التي ظهرت في اداء الاعلام الرسمي الاردني ومفرداته وخطابه وهو يتحدث عن سقوط الشهيد القاضي رائد زعيتر تدعو للاسف والخجل بنفس الوقت فالشهيد يحمل بطاقة صفراء ويمثل سلطة الدستور والقضاء ولا مجال للانتقاص من اردنيته الا في سياق تبجيل واحترام تطوعه كقاض في السلطة الاردنية قرر من تلقاء نفسه ان يصدر بطاقة صفراء تضمن له ولاطفاله الاقامة في فلسطين.
الشهيد زعيتر وهو قاض شاب ومتحضر ومتطور بشهادة زملائه كان يستطيع بحكم موقعه الاعتباري والدستوري التنازل عن حق الاقامة في فلسطين لكنه لم يفعل ذلك احتراما لوطنيته الاردنية اولا واحتراما لفلسطين ثانيا.
لكن هذا الاحترام لم يشفع للشهيد عند بعض دوائر الاعلام والقرار الاردني المرتجفة والبائسة والتي هبطت في مستواها لدرجة انها احتارت في مسألتين: الاولى هي تحديد هوية مواطن اردني، والثانية هي وصفه بانه قتيل وحرمانه من لقب الشهيد. سلوك يدعو للاسف والاستغراب خصوصا بعدما اخذنا علما بطبيعة الحوار الذي دار في اروقة رئاسة الوزراء في تلك المسافة الفاصلة ما بين لقب الشهيد او استخدام مفردة القتيل وما بين الحيرة في تحديد هوية الضحية والسعي لحرمانه من مواطنته الاردنية في الوقت الذي تجاهل فيه القوم تماما الهوية الواضحة للعدو والقاتل.
يعكس ذلك مرارة في الروح والقلب واسقاطا لذلك الفصام الغريب المرضي الذي يستوطن بعض مؤسسات القرار البيروقراطية الاردنية.
ويعكس بنفس الوقت تلك المساحة المسكوت عنها والتي تصر فيها الدولة الاردنية على سلوك ثقافي لا يريد تحديد من هو الاردني او الفلسطيني في الاردن ويسعى بالسياق نفس للتهرب من استحقاقات فكرة ومنهجية المواطنة.
بصراحة وبدون لف ودوران صدور بيانات تصف سقوط قاض اردني باعتبارها حادثة قتل او نشر اخبار تعتبر القاضي زعيتر مواطنا فلسطينيا مؤشر قوي على ان الدولة الاردنية مازالت لم تحدد بعد ما الذي تريده بصورة مفصلة من رعاياها الفلسطينيين … هم تارة اردنيون للابد كما يقول رئيس الوزراء عبد الله النسور عندما يتعلق الامر بحق التعويض والعودة.
وتارة اخرى اردنيون من اصل فلسطيني تعلق هويتهم، وتارة ثالثة ابناء للضفة الغربية وظيفتهم دفع الضرائب والرسوم دون الحصول على حقوق تمثيلية منطقية.
الارتباك الذي حصل في حادثة الشهيد القاضي الزعيتر يؤشر لنا مجددا على موطن الالم ومكان المرض وهو لم يعد مرتبطا فقط بنخب هنا او هناك تحترف لغة الانقسام وتقسيم الناس وتصنيفهم لان ما حصل مع الشهيد زعيتر يثبت بان المسألة ليست عابرة بقدر ما هي مستوطنة لذهنيات المسؤولين في الجهاز البيروقراطي وفي قنوات الدولة نفسها.
لا يمكن القفز للمستقبل في بلد تدار فيه الامور بهذه النمطية ، ولا يمكن ان ينجح اي دور للاردن في الملف النهائي في القضية الفلسطينية مادام المواطن الاردني من اصل فلسطيني تسحب جنسيته على هذا النحو المخجل ويحرم من لقب الشهادة حتى عندما يسقط مضرجا بدمائه برصاصة شريك سلام اسرائيلي على جسر اردني وهو يمثل سلطة القضاء التي تعتبر السلطة الدستورية الثالثة في المملكة.
لا مكان لنا اطلاقا في المستقبل كاردنيين ما دمنا نهبط بمستوى خطابنا الى هذه الدرجة السقيمة من التصنيفات.
لا مكان لنا كاردنيين لا كشعب ولا كدولة ما دمنا مصرين على ان المواطنة لا يمكنها ان تكون منهجا عادلا للجميع وما دام بعضنا يصر على ان نصف الشعب ينبغي ان يبقى في منطقة الترانزيت فيما يقف النصف الثاني في منطقة الحيرة والتردد التي تحتلها وتستوطنها نخبة فاسدة لا تمثل الناس ولم يخترها الشعب ولا تهتم الا بمصالحها فقط وليس مصالح الاردنيين في حوض نهر الاردن شرقا وغربا.
حادثة الشهيد القاضي زعيتر كالبرد تماما تكشف حقيقة المرض وتقرع جرس الانذار لكنها كالمطر الذي وحد الأردنيين بإسم الضفتين مجددا .. للشهيد الرحمة ولنا من بعده كاردنيين طول البقاء المؤسف في منطقة الترانزيت على امل ان يتعطل انتاجنا دوما وتتقزم طموحاتنا حتى يستفيد طرف واحد فقط هو المشروع الاسرائيلي الصهيوني وحتى يتمكن جندي اسرائيلي من قتل قاض في محكمة اردنية بدم بارد فقط لانه اعترض على اهانة اردنيته وكرامته الوطنية وهو الامر الذي يبدو ان وزارة الخارجية لا تعترض عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق