بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 11 مارس 2014

البيان والبرهان والعرفان في فكر محمد عابد الجابري حسن علاء الدين

أما الدكتور محمد عابد الجابري الذي انتقد مفهوم العروي السابق وعمل على محاورة التراث بحيث يقربه ليجعله محاورا لنا وجعله معاصرا متخذا استراتيجية في كتابه (من اجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية)، وفيه يحدد من خلال مقارنة لقضايانا الفكرية، ميادين ثلاثة هي التراث، والفكر العالمي المعاصر، والقضايا الراهنة السياسية والاجتماعية والقومية، فيقول: ‘أمكن القول بالنتيجة إن من الممكن اتخاذ أحد هذه الميادين حقلا معرفيا حيث يكتسي كل موقف رؤية ومنهجا بصورة إلية يطغي عليها طابع المطلق.. ومن هنا أيضا يمكن القول إن المشكل هو الذي يحتوي الفكر العربي وليس العكس′.
ومن هذا، يؤكد الدكتور عامر عبد زيد الوائلي أن المشروع المعرفي لدى المفكر محمد عابد الجابري مرتبط بالآلية المنهجية الغربية من جهة، وبالمادة المدروسة، وهي التراث العربي الإسلامي، من جهة أخرى. ومن هنا كان هدف الدراسة التي قدمها، يكمن في تقديم تحليل آلية المنهج المستخدمة في المشروع النقدي للجابري ولأجل تحقيق هدفه هذا فأنه يفترض الكشف عن البيئة المعرفية للمشروع استجابة لحاجاتها، ويفترض أيضا معرفة قدرة المنهج على تحقيق الحاجات التي تتوق إليها النهضة العربية المعاصرة، وقد توصل الكاتب الى نتائج محددة من خلال قراءته لفلسفة محمد عابد الجابري على مستوى البيان، والعرفان، والبرهان، وأزمة الأسس وإعادة التأسيس.
وكانت النتائج التي حصل عليها الدكتور الوائلي في كتابه الصادر حديثاً عن مكتبة مدبولي في القاهرة (نقد العقل العربي عن محمد عابد الجابري) على مستوى البيان أن الجابري طالب بإلغاء المنهج البياني وإحلال المنهج البرهاني محله، من خلال إحلال منطق ثنائي القيمة الأرسطي بدل منطق ثلاثي القيمة البياني. والعمل على نقل مجموعة من الآليات من حقل العلوم الى حقل الثقافة الإسلامية دون تكيفها، بل الاكتفاء باشتغالها. فمضمونها الذي اكتسبته داخل ثقافتها الأصلية التي تحولت الى مدلول يرشد لتطبيق الجابري داخل التراث الإسلامي، مجسدة جانبا آيديولوجيا. إلا أن الجابري أهمل الكثير من الإنجازات المعاصرة في حقول الثقافة واكتفى بما يؤيد موقفه، فجاءت توصيفاته مهيأة للنقد، كما هو الحال في موقفه من البيان.
إما على مستوى العرفان، فيرى الدكتور الوائلي أن الجابري كان ينظر الى تطور الفكر الإسلامي من خلال أفق تطوري على الرغم من أن منهجه بنيوي، إذ يعتمد النسق الآتي (سحر، أسطورة، فلسفة، علم) وهذه النظرة تعود الى المدرسة التطورية، التي تجاوزتها، الدراسات الحديثة. كما نظر الى العرفان على أنه قائم على الأسطورة، وهو بهذا ينطلق من جذور تنظر الى الأسطورة كأحد أمراض اللغة، إذ بشرت بزوال الأساطير والدين أمام التقدم التقني، ومن ثم يكون زمن الدين قد ولى وأن الإيمان وهم أو مرض طفولي.
ويشير الوائلي إلى أن الجابري يقول إن المماثلة العرفانية مجردة من القرينة ومنزلقة الى المطابقة ومتدنية العقلانية، هذا على مستوى المنهج، في حين أن المماثلة العرفانية هي عكس هذا فهي لا تقوم بالشبه، بل تقتضي ان يطوى هذا الوجه ويترك أمر استنباطه للمخاطب، وهي إشارة صوفية مرتبطة بالحال الوجداني للصوفي، فهي مجاز، وطرفا المجاز غير متناظرين. فالاستدلال بمعنى المطابقة ليس لدى العرفان، بل لدى الاستدلال العلمي الذي يقوم على المطابقة.
في حين يقول الوائلي عن مستوى البرهان لدى محمد عابد الجابري أنه ينظر للبرهان بوصفه منهجاً، ورؤيته مرتبطة بالثقافة اليونانية وما نُقل الى الثقافة الإسلامية من اجل مواجهة المد الهرمسي العرفاني. لهذا جسد توظيفا آيديولوجيا وليس معرفيا ويطالب بالفصل بين الأنظمة الثلاثة وبناء البيان على المنهج البرهاني واعتماد المقاصد الكلية للشريعة بدل النص.
قسم الوائلي كتاب إلى مدخل عام أسماه (تأصيل المفاهيم) وأربعة فصول وخاتمه. ناقش في الفصل الأول (البيان) تكوين البيان، المنهج والرؤية البيانية وموقف الجابري من البيان وتحليله. ودرس في الفصل الثاني (العرفان) تكوين العرفان، المنهج والرؤية العرفانية و نقد موقف الجابري من العرفان وتحليله. والمنهج نفسه استخدمه الوائلي مع الفصل الثالث (البرهان) فقد ناقش فيه تكوين البرهان، المنهج والرؤية البرهانية ونقد موقف الجابري من البرهان وتحليله. إلا أنه اشتغل في الفصل الرابع والأخير على أزمة الأسس ولحظة التأسيس من خلال لحظتي الغزالي وابن رشد ونقد رؤية الجابري لازمة الأسس وتحليلها.
يشار إلى أن هذا الكتاب كان في الأصل أطروحة جامعية نال من من خلالها الوائلي درجة الدكتوراة في الفلسفة الإسلامية، وقد كانت بإشراف الأستاذ الدكتور حسن مجيد العبيدي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق