بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 4 مارس 2014

السعودية… بين تديين السياسة وتسييس الدين

في اجراء ملفت لا يمكن فصله عن تطورات اقليمية، ومواقف وضرورات سياسية، كشف مسؤول ديني سعودي انه تم إيقاف عددٍ من خطباء الجمعة وشطب قيد آخرين من بين ما يقرب من 30 خطيباً ‘تحدثوا في السياسة’ خلال خطبهم. 
وقال وكيل وزارة الشؤون الإسلامية المساعد لشؤون المساجد الشيخ عبدالمحسن آل الشيخ ، في بيان إن الوزارة تتابع كل من سجلت عليه حالة سابقة، داعيا ‘للتعاون والتنسيق بين الجهات ذات الصلة للكشف عن الخطباء الذين يدخلون السياسة في خطبهم’. 
وأضاف أن ‘الناس لا يحتاجون للسياسة في منابرهم، وإنما هم في حاجة إلى المواعظ من القرآن والسنة، وما ينفعهم في أمور دينهم، وذلك لا يعني ألا يتكلموا عن الواقع، ولكن يربطونه بتأصيلات شرعية شريطة عدم الميل إلى السياسة أو التحزب’. 
ربما كان هذا الكلام في ظاهره مقبولا، بل ومطلوبا، حيث لا يجب ان يستغل منبر الرسول الكريم او يجعل طرفا في معارك سياسية او حزبية، يستتبع التورط فيها ارتكاب اخطاء بل وخطايا، او التعرض لما لا تليق بما يتمتع به من قدسية ونقاء وترفع. لكن ان تأتي هذه التصريحات من الحكومة السعوديةفان الامر يستحق وقفة، حيث قد يكون من الصعب ان نجد حكومة استغلت منابر المساجد لتحقيق غاياتها السياسية محلية كانت او اقليمية اكثر مما فعلت حكومة الرياض. 
بل انه من المعروف ان المملكة السعودية تأسست اصلا على قدمين اثنتين، الاولى هي عائلة آل سعود التي احتكرت الحكم والادارة والاقتصاد، والثانية عائلة آل الشيخ كرمز لاحتكار المؤسسة الدينية التي توفر ‘الغطاء المطلوب’ ليتمكن هذا النظام من الاستمرار في القرن الواحد والعشرين بتركيبته وممارساته وسياساته التي يعتبر كثيرون انها تنتمي الى القرون الوسطى.
وهكذا استغلت الحكومة السعودية هذا ‘الاساس الديني للنظام’ في تهميش المرأة سياسيا واجتماعيا، باستثناء ‘مشاركة ديكورية’ في مجلس الشورى، حيث من المفترض ان تساهم في قيادة البلاد، بينما هي غير قادرة على قيادة سيارتها بنفسها، ناهيك عن خطاب ديني يتعمد اهانتها بل ويشجع على اضطهادها باعتبار انها ‘ناقصة في العقل والدين’.
ولم يقتصر الامر على النساء، بل اتسع نطاق القمع والاهانة ليشمل المجتمع بكل فئاته، اذ تحولت المؤسسة الدينية ذاتها الى ‘دولة داخل الدولة’ (مع الاعتذار عن استخدام كلمة دولة في هذا المقام)، فاسست الشرطة الدينية ‘المطاوعة’ التي تفرض قانونها الخاص على الناس بقوة الغصب والعنف، بعيدا عن اي رقابة قضائية او حقوقية او سياسية لافعالها، ما اصبح يثير استياء شعبيا كبيرا.
وعلى الصعيد الدولي، روجت الدبلوماسية السعودية للمملكة باعتبار انها ‘حامية الدين وزعيمة العالم الاسلامي’، لمجرد وجود الحرمين الشريفين على اراضيها، في شكل اخر من اشكال الاستغلال الصريح للدين.
وبالعودة الى الخطباء فان الرسالة، او الانذار الحكومي لهم، في غاية الوضوح، وهي ضرورة الانصياع الى متطلبات السياسة في هذه المرحلة، وهي عدم الحديث في السياسة.
وبكلمات اخرى، اصبح ممنوعا التحريض على حشد المقاتلين الى سوريا عبر المنابر، بعد ان تم التوصل الى ‘شبه اتفاق دولي’ في مؤتمر جنيف 2 على ان تشجع الرياض المقاتلين السعوديين على العودة من هناك. بالرغم من ان تلك المنابر نفسها هي التي طالما ارسلت ‘المجاهدين’ الى مختلف بقاع الارض، ومنها افغانستان، وبينهم شخص اسمه اسامة بن لادن. (ترى كيف كان سيبدو العالم اليوم اذا صدر هذا القرار السعودي قبل خمسة وثلاثين عاما؟). ناهيك عن ان خطابها المتطرف كان منبعا لفكر التنظيمات التكفيرية في انحاء مختلفة من العالم.
وبالطبع لن ينطبق هذا ‘الحظر السياسي’ على تملق بعض الخطباء للحاكم او الدعاء له، مع الاعتذار للخليفة عمر رضي الله عنه الذي قال ‘لا خير فيكم ان لم تقولوها ولا خير فينا ان لم نسمعها’، ولن يعدم هؤلاء عن ايجاد ‘مخرج شرعي لتبرير هذه الازدواجية.
ان المطلوب حقا في السعودية وغيرها من بلادنا العربية، ليس اسكات الخطباء او غيرهم باعتقالهم او ترهيبهم، لكن السماح بالحريات الانسانية الاساسية، وبينها حرية التعبير، وحرية اصدار الصحف وانشاء الاحزاب، ضمن دولة عصرية حديثة تحترم الدين كمكون جوهري في ثقافة المجتمع، لكن لا تستغله منحا او منعا في ابتزاز المشاعر حسب اغراض النظام او اهوائه، ولا تسمح بتديين للسياسة او تسييس للدين. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق