بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 24 مارس 2014

◘ إرادة الديموقراطية والشرعية -محمد الأشهب

بين رئاسيات واشتراعيات، تشترك دول عربية عدة في أن ربيعها وما يليه من فصول الطبيعة، سيكون محور استحقاقات انتخابية. تلتقي في ذلك البلدان التي كانت مسرح غضب الشارع ونقيضتها التي لم تلامسها العدوى. في أي حال فإن تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع، وإن لم تكن شفافة ونزيهة بالكامل، أفضل من صدور البيان العسكري رقم واحد. كونه يتحول إلى رقم 99 عندما يضطر الحاكم القادم على ظهر الدبابة إلى إجراء ما يشبه الانتخابات الشكلية.
إن لم يكن من محاسن للحراك العربي، وإن سبقته إرهاصات ديموقراطية وأخرى أكثر تقدماً في بلدان مثل لبنان والكويت والمغرب والجزائر، سوى العودة إلى صناديق الاقتراع، كأبرز خيار استقرت عليه النظم الديموقراطية في العالم، فإن الأمر يفيد بتحول حقيقي، أقله استبدال مصطلحات التحديات المصيرية والخارجية بأخرى ترنو إلى ملامسة الواقع على الأرض، وإن كان يثير الشفقة فعلاً أن النظام السوري بدوره الذي فقد الأرض والشرعية يلوح بانتخابات لا يزيد قطرها عن دائرة دمشق، مع أنه كان في وسعه أن يفعل ذلك في حينه قبل انهيار الدولة وسقوط مئات الآلاف من القتلى وملايين اللاجئين والنازحين والمتشردين.
سلبيات التجارب السابقة لا تترك مجالاً لغير الانتفاضة ضدها. والحراك الذي وجه ضد أنظمة الاستبداد كان في جوهره ضد التهجين وتمييع الأوضاع السياسية، ومن الخطأ أن يتصور أي كان مرور الزوبعة توقف عند النتائج غير المرضية التي آلت إليها أوضاع ما يعرف بدول الربيع العربي. فهذه محطة اختناق ينتج منه كل ما يلقطه الجسم، ثم تبدأ فترة تجميع القوى.
في مناسبة التئام قمة الكويت العربية تبدو الفرصة سانحة لتشجيع الخيار الديموقراطي، وإن حضر بعض القادة وهم لا يعرفون إن كانوا سيعودون لمصافحة نظرائهم في القمة المقبلة أم لا. غير أن تقاليد تصريف الأعمال في التجارب السياسية التي تستند إلى حكم صناديق الاقتراع لا يلغي استمرارية الالتزامات، وإلا لما كانت قمم الاتحاد الأوروبي تصمد وتتواصل، بصرف النظر عن أنواع المتغيرات التي تطاول البلدان الأعضاء. وكذلك هو حال المنظمات الإقليمية التي لا تتأثر بحضور الأشخاص، بل تتعزز بقوة الالتزامات. لم تعد قرارات القمم العربية في غضون هذه التطورات حكراً على نزوعات القادة، بل باتت تستمد حيويتها وشرعيتها من التفاف الشعوب. وثمة ميثاق غير مكتوب يفيد بأن الشعوب العربية منذ كانت وهي متضامنة ومتآزرة مع بعضها. وإذ يخيم استحقاق الرئاسيات على أكثر من بلد عربي، فإن ذلك ينبغي أن يشكل عنصر قوة، وبالقدر الذي تعكس فيه صناديق الاقتراعات الاتجاهات الحقيقية للرأي العام، بعد مغادرة فترة الاندفاع وضبط عقارب الساعة على خيار التعددية والانفتاح وسلاسة التداول في السلطة. فذاك مصدر آخر لمعاودة تفعيل النظام العربي.
المياه الكثيرة التي تدفقت تحت الجسر كافية لإبراز أن القمم العربية في طريقها لأن تتغير في الأداء والتوجه والمنظور. وكما احتكار السلطة لم يعد مقبولاً وصار مرفوضاً بكل المقاييس، فإن الإمعان في إذكاء الخلافات وزيادة أنواع التوتر في العلاقات العربية – العربية، هو أيضاً جزء من موروث متجاوز. فقد انتهى عصر الصياغات الغامضة لأنواع التحديات التي تواجه العالم العربي ككل. وباتت الأمور أكثر وضوحاً وشفافية، إلا لمن يزال يحن إلى وضع الغشاوة على العيون.
ثمة شرعية تعزز القرارات اسمها شرعية الارتباط بما يخالج الرأي العام في كل بلد. وليست الأهداف هينة. لكن الإرادة وحدها تحيلها إلى إنجازات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق