بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 3 أكتوبر 2013

كذابون وأقوياء -علي سالم


هو رئيس تحرير أسبق وسابق، وكاتب صحافي أسبق وسابق وحالي، وهي الصفات التي تجعل منه نجما متحدثا في الفضائيات لا يشق له هواء. في آخر ظهور له، قال لمقدم البرنامج بصوت قوي يبعث الرعدة في القلوب والأوصال: لديّ خبر.. وأنا مسؤول عن صحة ما جاء به من تفاصيل.. مرشح سابق لرئاسة الجمهورية يسكن حي المهندسين، ذهب بالأمس مساء إلى حي المعادي، والتقى هناك مسؤولا أميركيا. حدث هذا اللقاء في فيللا المسؤول الأميركي، أعطاه الملف، الملف فيه خطة متكاملة لإفساد خريطة الطريق، ثم أخرج له ملفا آخر قال عنه إنه سينجح في المهمة في حال فشل الملف الأول.
اهتمامي بهذا المشهد ينبع من معرفتي أنه حجر الزاوية في كل ما ينشر وكل ما يقال. المشهد يلخص بصدق كل ما يدور في عالم الثقافة والمعرفة في مصر، الخبر كاذب من أساسه، صاحب الخبر يعرف ذلك، ومقدم البرنامج والسادة المشاهدون أيضا يعرفون ذلك، غير أنهم لا يرون خطأ أو خطرا فيما قيل. وكأننا نعيش في عالم سحري للأطفال، عجزوا فيه عن أن يكونوا كبارا، فقرر كل منهم أن يكذب كذبة عظمى ربما تحقق
مراده.
هذا النموذج الذي قدمته يمثل عينة صحيحة في بحثنا، هو منتج للثقافة وهو أيضا سلعة من نتاجها، هو كاذب تخصص في إنتاج الكذابين، لذلك مستحيل أن تجد أحدا يعارضه فيما يقول.
أريد أن أذكرك بأننا لا نناقش هنا الثقافة المعرفية السائدة في مصر، لهدف أدبي من أهداف الأدب المقارن، بل للتعرف بدقة على الطريق الذي سيتخذه في الوصول إلى المستقبل وهو ما يعبر أدبيا عنه هذه الأيام بالسؤال «مصر.. إلى أين؟». طريقتنا في التفكير الآن هي بالضبط القاطرة التي ستشد عربات قطارنا في المستقبل الذي لم يعد بعيدا. أفكارك هي بالضبط ما ستحدد طريقة تعاملك مع الدنيا، أي إنها ستحدد بالضبط المكان الذي تحتله على هذه الأرض.
الواقع أنه بأقل قدر من الخيال، لن يحدث انتقال لنا في الزمان أو المكان. ما نعرفه وما نفكر فيه، هو ما أنتج ما نحن فيه، وهو أيضا ما سيقوم بتثبيت واقعنا على الأرض مكبلين بالأكاذيب والتعاسة والأحزان. وأنا أستخدم كلمة تثبيت هنا بنفس المعنى المستخدم في الشارع، أي أن يقوم شخص بتثبيتك ومنعك من الحركة بواسطة سكين أو مطواة.
في كل إنتاجات الدنيا توجد نسبة مسموح بها من الشوائب، غير أنه من المستحيل أن تطغى على المنتج الأصلي، فما الحل؟ لا بد من جماعة شجاعة تقول للمصريين: لا أحد على الأرض يريد أن يفتتكم، أو يقسمكم، لا أحد يطلب القضاء على جيشكم كما حدث مع جيوش أخرى في المنطقة.. جيشكم في حاجة إلى المعونة العسكرية الأميركية، فكفوا عن البلاهة ولا داعي للعنتريات العبيطة فقد جربناها طويلا.. اتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية، كانت أعظم إنجاز لمصر في العصر الحديث.. والاقتصاد الحر هو الطريق الوحيد المفتوح أمامنا للمستقبل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق