لم يتردد
مفتي تونس الجديد في أن يردّ ظهور الإرهاب في بلاده إلى مواقف بورقيبة الحداثية والاجتهادية
خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وبحسب هذا المفتي طبعا، أنه لولا
بورقيبة ما كان للقاعدة أن تتأسّس، والإرهاب أن ينتشر في اليمن وباكستان والصومال والعراق
والجزائر وليبيا ولبنان وغيرها، وأن يطال أبراج نيويورك، ويتجوّل فكرا وحوادث بين القارات
الخمس.
وما
قاله المفتي، طالما ردّده إخوان تونس وسلفيوها المتشددون، الذين لم ينقصهم إلّا أن
يقولوا أن
زمن الاستعمار كان أفضل من عهد الاستقلال، طالما أنهم يرون أن عهدي بورقيبة
وبن علي تميزا بالفساد والاستبداد، وأن الدولة التي ينعمون اليوم بحكمها، كانت معادية
للإسلام، وأن الإسلام السياسي كان محاصرا فيها، وكتب حسن البنا وسيد قطب وأبي الأعلى
المودودي كانت ممنوعة، كما أن تعدد الزوجات ممنوع، والطلاق مقيّد بحكم القضاء ،والقضاء
مدني، والتعليم موحّد، في حين أن في عهد الاستعمار كان من الممكن تكفير التفكير مثلما
حدث مع المصلح الزيتوني المجدّد الطاهر الحداد صاحب كتاب "امرأتنا في الشريعة
والمجتمع" الذي وصل الأمر إلى حد الدعوة إلى دفنه بعيدا عن مقابر المسلمين، ولم
يسر في جنازته إلّا بعض الأنفار ممن يعدّون على الأصابع.
وكما
كفّر البعض الشاعر أبا القاسم الشابي صاحب "إرادة الحياة" لأنه تجرّأ على
ربط إرادة القدر بإرادة الشعب.
ولكن
اليوم يقف التونسيون إجلالا للحدّاد والشابي ولا أحد يذكر أسماء من كفّْروهما، والأغلبية
الساحقة من التونسيين تنظر إلى الحبيب بورقيبة نظرة احترام وتقدير ووفاء، وترى فيه
أبا الدولة التونسية الحديثة، ووجد إخوان تونس أنفسهم مجبرين، ولو إلى حين، على الاعتراف
بحقوق المرأة التي نظّر لها الحدّاد وأقرّها بورقيبة، وبترديد بيت الشابي المثير لجدلهم
بعد أن بات جزءا من السلام الوطني.
أمّا المفتي الذي جيء به خلفا لسلفه الذي
ندّد بالجهاد في ديار المسلمين وبجهاد النكاح، فهو مطالب اليوم بأن يخرج عن النصّ كثيرا،
وأن يصرّح في العلن بما لا يستطيع الإسلاميون المتمركزون في بلاط الحكم التصريح به.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق