بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 13 فبراير 2014

تداعيات المصالحة بين حركتي ‘فتح’ و’حماس′ د. يوسف نور عوض

الاختلاف في وجهات النظر شيء طبيعي في سائر المجتمعات، وهو الأساس الذي يمكن أن تقوم عليه الأحزاب السياسية، لكن الخلاف بين حركتي حماس وفتح أخذ طابعا آخر، فقد لعبت ظروف تاريخية دورا مهما في عدم وضوح الموقف الفلسطيني الموحد خلال فترة طويلة من الزمن، ذلك أن القضية الفلسطينية منذ بدايتها كانت تحت وصاية بعض الدول العربية، وكان الموقف الفلسطيني إما مؤيدا وإما معارضا لمواقف تلك الدول، لكن بعد أن انسحبت معظم الدول العربية من المشهد الفلسطيني كان لزاما على الفلسطينيين أن يتحركوا للدفاع عن قضيتهم، بيد أن الرؤية لم تكن واضحة على مدى طويل، وذلك ما أحدث انقسامات في المواقف الفلسطينية ما يحتم علينا الآن أن ننظر في هذه القضية منذ نشأتها حتى نرى ما آلت إليه في الوقت الحاضر.
وكما هو معلوم فإن ما تعرض له الشعب الفلسطيني، لم يتعرض له شعب آخر في التاريخ، ذلك أن الشعب الفلسطيني أخرج من أرضه بشكل كامل لكي تحتلها عصابات يهودية وصهيونية قدمت من خارج البلاد، وذلك ما ولد اعتقادا في أول الأمر بأنه من الممكن طرد هؤلاء الغزاة من الأراضي الفلسطينية وعودة الحق إلى أهله، وظل هذا الاعتقاد سائدا عبر فترة طويلة من الزمن كانت الدولة العبرية خلالها تؤسس وجودها بشكل جعلها من الناحية العسكرية أقوى دول المنطقة، وعلى الرغم من تراجع الموقف العربي بشكل عام في هذه القضية، فقد ظل الوضع الفلسطيني منقسما بين حركتي فتح وحماس، وبصرف النظر عن الخلافات الفكرية بين الحركتين، فإن العزل الجغرافي كان سببا في استمرار الشقاق بين الحركتين، وكان جوهر الخلاف يتركز في اعتقاد فتح أنها يمكن أن تحقق الأهداف الفلسطينية بواسطة الحوار بينما تبنت حماس الموقف التقليدي المتعلق باسترداد الحقوق كاملة بواسطة المقاومة، ولقد انقضى الآن أكثر من ستين عاما لم تسترد الحقوق فيها وبدأ الكثيرون يفكرون في حل للقضية الفلسطينية من منظور جديد، وجاء التحرك المهم من جانب الرئيس ‘أوباما’ الذي بدأت إدارته تتحرك من أجل إيجاد حل للقضية الفلسطينية، ويبدو واضحا الآن أن الرئيس ‘أوباما’ يريد أن يحقق انجازا كبيرا خلال دورة رئاسته الثانية، ومن جانب آخر بدأ الفلسطينيون يدركون الجدية في هذا التحرك، وكان ذلك سببا في التفكير في المصالحة بين حركتي فتح وحماس استعدادا لمواجهة هذه المرحلة الجديدة من منظور جديد يطرح جانبا كبيرا من جوانب التفكير التقليدي في هذه القضية، وذلك ما جعل وفدا من حركة فتح يتجه نحو غزة من أجل إكمال المصالحة وتوحيد الموقف الفلسطيني استعدادا للتطورات المستقبلية. ولقد استقبل هذا الوفد بحفاوة كبيرة، وعلى الفور دعا رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة ‘إسماعيل هنية’ رئيس السلطة الفلسطينية ‘محمود عباس′ بأن يوفر المناخ الملائم من أجل إكمال المصالحة التي كان تأخيرها دون شك في غير صالح الشعب الفلسطيني.وأكد ‘هنية’ أن حكومته قدمت كثيرا من المبادرات من أجل تحقيق المصالحة بين الطرفين، وهي ترجو من حكومة الرئيس عباس وقف الأعمال العدائية ضد عناصر حركة حماس في الضفة الغربية . وأرسل ‘هنية’ إلى الرئيس عباس قائمة بأسماء المعتقلين من حركة ‘حماس′ في الضفة الغربية والمطلوب إطلاق سراحهم فورا، غير أن أهم ما تمخضت عنه زيارة الوفد هو تفكير الطرفين في تكوين حكومة وفاق مشتركة، ولا شك أنه إذا تحقق ذلك فستكون تلك خطوة مهمة في طريق تحقيق المصالحة بين الطرفين، غير أن ‘هنية’ أكد من جانب آخر أنه لا يريد ضغوطا من الجانب الأمريكي تؤثر على ما يعتبره ثوابت في الموقف الفلسطيني.
ومن جانب آخر قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس ‘خليل الحية’ في مؤتمر صحافي مشترك مع ‘نبيل شعث’ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح أن الاجتماعات بين الطرفين كانت بناءة وهما في سبيل وضع خريطة طريق من أجل تشكيل حكومة واحدة وإجراء انتخابات عامة تتمخض عن تشكيل مجلس وطني منتخب، ومن جانب آخر أكد ‘عزام الأحمد’ عضو لجنة فتح المركزية أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية من دون غزة.
ومن جانب آخر نفت حركة حماس أن هناك جهود مصالحة مع القيادي ‘محمد دحلان’ المفصول من حركة فتح، لكن الدكتور ‘مرسي أبو مرزوق’ قال إن هناك إجراءات في غزة يصب معظمها في صالح تيار ‘دحلان’، وقال ‘أبومرزوق’ إن ما يجري في داخل حركة فتح هو أمر يخص حركة فتح وحدها، والمهم في نظره هو أن يتركز الاهتمام في الوقت الحاضر على الملفات المطروحة وأهمها ملف المفاوضات مع إسرائيل، وخطة وزير الخارجية الأمريكي في التعامل مع القضية الفلسطينية، ومستقبل القضية بصورة عامة.
ولا شك أن المصالحة بين ‘فتح’ و’حماس′ هي أمر ضروري في كل الظروف، وذلك من أجل توحيد المواقف الفلسطينية، ولكن يجب أن نتساءل عن توجهات الطرفين بعد إتمام هذه المصالحة، فهل ستقبل حماس بتوجهات فتح، أم أن فتح سوف تنحاز لتوجهات حماس؟ وفي كلا الحالين سوف تتأثر العلاقة بين الفلسطينيين وإسرائيل بالموقف الذي سيستقر عليه الفلسطينيون
ويلاحظ في كثير من كتابات الكتاب المصريين أن المصالحة الجارية بين حركتي فتح وحماس تمت أيضا بجهود مصرية لأن مصر تنظر إلى القضية الفلسطينية على أنها جزء من أمنها الوطني.
ومهما يكن من أمر، فيجب ألا تكون المصالحة الفلسطينية الفلسطينية مجرد إجراء سياسي بل يجب أن تخدم المصالح الفلسطينية الحقيقية، ذلك أن الشعب الفلسطيني يقدر الآن بالملايين بعضهم في داخل الأراضي الفلسطينية وبعضهم في أراضي المهجر، وإذا كان هناك موقف إسرائيلي يسمح للشعب الفلسطيني أن يقيم دولته فيجب أن تكون حدود هذه الدولة آمنة وتوفر للشعب الفلسطيني العيش الكريم، وهذا أمر ما زالت إسرائيل تماطل فيه، ويبدو ذلك واضحا من خلال المباحثات التي لا تعرف طريقا للنهاية بين حركة فتح وإسرائيل، ويحدث ذلك في وقت يهدد فيه رئيس وزراء إسرائيل ‘بنيامين نتنياهو’ أي فرد يعمل لغير صالح دولة إسرائيل بالقتل.
ويبدو واضحا أنه على الرغم من أن إسرائيل قد استولت على أراضي الفلسطينيين بغير حق، فإن الواقع العملي يؤكد الآن أنه من غير المنطقي أن يلقى سكان إسرائيل في البحر كما كان الكثيرون يقولون ذلك، ولكن من الجانب الآخر هناك الشعب الفلسطيني الذي يعيش في جزء محدود من أرضه، وهو أيضا يريد الحياة الآمنة الكريمة، ولا يتحقق ذلك إلا إذا وافقت إسرائيل والدول التي تدعمها على الاستجابة للمطالب الفلسطينية، وبالتالي فإن الإستراتيجية التي تتبعها إسرائيل بإطالة المباحثات وجعلها تسير في طريق غير واضحة المعالم هي إستراتيجية فاشلة لأنها لن تحقق الأهداف التي يتطلع إليها الشعب الفلسطيني أو تلك التي تخدم مصالح الدولة العبرية، والمطلوب دائما هو أن تبدأ إسرائيل التفكير بأن هناك شعبا فلسطينيا له مطالب حقيقية يجب أن تلبى، وأن تلبيتها ضروري إذا كانت إسرائيل تريد العيش في سلام، ونرى في كل ما تحدثنا فيه، أن هناك غيابا كاملا للدور العربي في هذه القضية، وإذا كانت الدول العربية لا تحتفظ بعلاقات مع دولة إسرائيل فهي تمتلك هذه العلاقات مع دول لها تأثير على الساحة الدولية وتستطيع الدول العربية أن تواصل الاتصال معها من أجل خلق مناخ دولي يساعد في إيجاد حل مقبول للقضية الفلسطينية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق