بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 4 فبراير 2014

◘ عام التسويات علي إبراهيم

بقدر ما كانت أحداث المنطقة عاصفة ومضطربة في السنوات الثلاث الماضية، كانت الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وفي قطاع غزة الواقع تحت سيطرة حركة حماس، هادئة نسبيا ولم تتأثر بموجة الربيع أو التغيير العربي في بلدان كانت معظمها مرتبطة تاريخيا حربا وسلاما بالقضية
الفلسطينية. وباستثناء محاولة انتفاضة شعبية سحقتها حركة حماس على الفور، وارتباطات الحركة الخارجية بالتنظيم الأم، لم يكن هناك على الأجندة سوى قضية الخلاف الفلسطيني والحديث عن مصالحة لم تتم، ومحاولات إيجاد فرص لدفع المسيرة الطويلة المتعثرة لعملية السلام.

لم يكن هناك أمام السلطة في رام الله سوى ترقب ومتابعة تطورات دول كانت طرفا أساسيا في أي عملية سلام منذ البداية خاصة مصر التي فتحت هذا الطريق منذ أواخر السبعينات، بينما كانت حماس أكثر تفاعلا تلملم خسائرها بعد طرد قيادتها من دمشق، وترتفع آمالها في تعويض ذلك بعد وصول الإخوان إلى الحكم في مصر، لتجد نفسها مرة أخرى في عزلة أكبر بعد إطاحتهم في انتفاضة شعبية جديدة، مع مخاوف لديها من فاتورة سيتعين عليها أن تدفعها ثمنا لمواقفها السابقة، ولذلك بدأت الحديث مجددا بشكل أكثر مرونة عن المصالحة مع السلطة، بعدما أصبحت في موقف ضعيف لا تملك معه الكثير من أدوات التأثير.
هذا الوضع قد يفسر الأولوية التي أعطاها جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة وإدارة أوباما للملف الفلسطيني - الإسرائيلي في توقيت بدا مستغربا لكثيرين، فالمنطقة مضطربة وتطوراتها متسارعة في مشهد يحمل معه الكثير من الفوضى وعدم القدرة على التنبؤ في دول التغيير بينما هناك ما يشبه الحرب الأهلية المستعرة في سوريا، وأصبح لها امتدادات إقليمية ودولية.

والحقيقة أنها كانت التقاطة ماهرة لكيري لفرصة تلوح في تحقيق اختراق في ملف احتارت فيه عدة إدارات أميركية، واستنزفت فيه جهدا كبيرا دون إحراز نتيجة، خاصة الإدارة الأميركية في عهد كلينتون الذي التقى الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عددا من المرات يفوق أي زعيم أجنبي آخر، فليس هناك وقت أفضل للحصول على تنازلات وتسويات من الوقت الذي تبدو فيه كل الأطراف الخارجية المؤثرة في الملف غير قادرة على التأثير بحكم انشغالها بقضايا أهم تتعلق بها، بما في ذلك إيران التي تطمح للوصول إلى اتفاق يحل مشكلة ملفها النووي ورفع العقوبات التي أرهقت اقتصادها.

والظاهر أن ثمار الزيارات المكوكية التي قام بها كيري إلى الأراضي الفلسطينية وإسرائيل بدأت تظهر من خلال مجموعة الأفكار التي طرحت في الأيام الماضية لاتفاق إطار يجري العمل عليه كأساس لتسوية مستقبلية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مثل قضية بقاء مستوطنين إسرائيليين في إطار عملية مقايضة أراض فلسطينية إسرائيلية، وتقديم تعويضات إلى اليهود الذين أجبروا على مغادرة دول عربية، أو ما طرحه الرئيس الفلسطيني محمود عباس من حل قضية المخاوف الأمنية لإسرائيل من خلال وجود قوات لحلف ناتو تراقب كل الحدود، وإجراء الانسحاب الإسرائيلي من الضفة على خمس سنوات بدلا من ثلاث سنوات.

هذه الأفكار، قد تكون بالونات اختبار أو غير نهائية خاضعة للمساومات من هنا أو هناك، لكنها بما تطرحه من تفاصيل دقيقة، تعطي مؤشرا بأن ما جرى تداوله أو مناقشته أعمق بكثير، وأننا على أعتاب مرحلة بلورة الصياغة النهائية لنتائج المفاوضات التي أبقيت سرية لشهور وراء أبواب مغلقة، وأن هناك شيئا سيكون جاهزا قبل حلول مهلة أبريل (نيسان) المقبل لإتمام المفاوضات، التي بدأ الحديث عن تمديدها إذا لاحت بوادر حقيقية لاتفاق.

وإذا كانت التجارب الماضية لمفاوضات السلام الفلسطينية - الإسرائيلية تشير إلى أنه لا يمكن توقع شيء، فكم من المرات أحرز الجانبان تقدما كبيرا نحو التوصل لاتفاق لينسف كل شيء في لحظة، فإن هذه المرة تبدو مختلفة، وهي أشبه بالفرصة الأخيرة وسط فوضى عارمة في المنطقة ستأخذ وقتها وتنتهي على أوضاع جديدة، قد لا تتيح فرصا أخرى، المهم أن يستطيع الفلسطينيون أن يحصلوا على حقوقهم المشروعة. وقد يكون هذا هو أول ملامح الوضع الجديد للمنطقة بعد موجة التغيير التي ضربتها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق