بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 25 فبراير 2014

استقالة’ الببلاوي… أول ‘قرار رئاسي’ للسيسي؟

تعددت الاسباب والتفسيرات والسيناريوهات، والنتيجة واحدة: كان على حكومة الدكتور حازم الببلاوي ان تقدم استقالتها في ظل اوضاع يبدو ان استمرارها اصبح يمثل خطرا حقيقيا على الامن القومي المصري.
ولعل اتساع الاضرابات الفئوية خلال الايام الاخيرة، ادى الى التعجيل بهذا القرار الذي كان من المفترض ان يبقى مؤجلا حتى انتخاب رئيس جديد بعد اسابيع.
فقد اصبحت البلاد مصابة بحالة من الشلل او تكاد، بعد ان شملت الاضرابات قطاعات خدمية حيوية كالنقل العام والمستشفيات، وصناعات اساسية كالغزل والنسيج، واعصابا حساسة في الجهاز الاداري كمصلحة الشهر العقاري، والذي يعني استمرار الاضراب فيها على سبيل المثال عدم امكانية اجراء الانتخابات الرئاسية، حيث انها الجهة المنوط بها اصدار التوكيلات القانونية الضرورية لاي مرشح للرئاسة.
ومن الواضح ان الحكومة لم تعد تعاني فقط من انعدام الموارد المالية اللازمة لتلبية هذه المطالب الفئوية، بل اصبحت تفتقر الى اي رصيد من المصداقية، بعد ان عجزت عن الوفاء بوعودها للعمال المضربين في مناسبات عديدة، وهكذا فقدت ثقة المواطنين، بعد سبعة شهور من ‘الفشل الممنهج’.
وحيث ان الامر يتعلق بخطر على الامن القومي، فالمرجح ان قرار الاقالة – الاستقالة اتى من جهة اكبر من الحكومة ورئيس الوزراء، بل ومن رئيس الجمهورية المؤقت نفسه.
وقد وجدت تلك الجهة ان اي تعديل وزاري مع بقاء الببلاوي لن يحقق الغرض منه، وهو استعادة هيبة الحكومة ومصداقيتها، بالاضافة الى معالجة الازمات المتفجرة يوميا على الاصعدة الاقتصادية والامنية والخدماتية.
وحيث ان المشير السيسي يشغل منصب النائب الاول لرئيس الوزراء لشؤون الامن، فمن الطبيعي الا يكون بعيدا عن اتخاذ هكذا قرار، ان لم يكن هو من اتخذه لاعتبارات لا تخلو من ‘المواءمات السياسية’، حيث ان بقاء الببلاوي اصبح احد العوامل التي تعمل على تقويض مصداقية النظام السياسية باكمله، بمن في ذلك ‘المرشح الرئاسي المحتمل’ المشير السيسي، الذي قد يستفيد انتخابيا من اطاحة هذه ‘الحكومة المرتعشة’ كما نعتها منتقدوها. وهكذا قد لا يكون من المبالغة القول ان اقالة الببلاوي ‘اول قرار رئاسي’ للسيسي خاصة ان مصادر متطابقة اعلنت ان السيسي كان من بين اول من تحدثوا في جلسة مجلس الوزراء امس.
وعلى اي حال فان اللهجة المريرة التي تحدث بها الببلاوي في ‘خطاب الاستقالة’ وتلك الغاضبة التي بدت واضحة في تصريحات نائبه الثاني لشؤون التعليم العالي الدكتور حسام عيسى لا تترك مجالا لتصديق ما حاولت الحكومة ان تروج له من ان ‘الاستقالة جاءت بمبادرة من رئيسها’.
ومن الانصاف القول ان هذه الحكومة واجهت تحديات استثنائية في ظروف قاسية غير مسبوقة في تاريخ مصر، دون ان يعفيها هذا من مسؤولية ارتكاب اخطاء بل وخطايا بينها:
1- انها فشلت في تطبيق البرنامج الاقتصادي الوحيد الذي بدا مهتما بهموم المواطنين وهو تطبيق حد ادنى للاجور، اذ تراجعت عنه جزئيا عندما قصرته على العاملين في ‘الجهاز الاداري’ دون الهيئات الاقتصادية المملوكة للدولة والتي تضم ملايين الموظفين.
2- انها خضعت لضغوط وسائل الاعلام في التعامل مع جماعة الاخوان، فاعلنتها ‘منظمة ارهابية’ في شهر كانون الاول/ديسمبر الماضي، بعد ان كانت اعلنت ان القضاء وحده يملك هذا القرار، ثم اتضح انها لا تملك الادوات القادرة على تطبيقه على الارض، تماما كما حدث مع اعلانها حالة الطوارئ.
اما المفاجأة التي اعلن عنها الخبير الدستوري ابراهيم درويش مؤخرا، فهي ان الحكومة لا تملك اصلا الحق في اصدار ذلك القرار، وان رئيس الجمهورية وحده يملك هذا الحق، كما انها لم تنشر القرار في جريدة ‘الوقائع الرسمية’، وبالتالي فهو في حكم المنعدم.
3- اهملت الحكومة المعاناة المعيشية الهائلة للمواطنين، فيما اكتفت بملاحقة المعارضين والمتظاهرين. ويبدو تردي الاقتصاد المصري واضحا في المؤشر الدولي للحريات الاقتصادية في العام 2014، حيث اصبح يشغل المركز 135 على مستوى العالم بانخفاض قدره 1.9 في المئة عن العام الماضي، بعد ان سجل تراجعا في اكثر من نصف الحريات الاقتصادية العشر، ومنها حرية الاستثمار، والحقوق العقارية، والحرية من الفساد.
اما الحل فلا يمكن ان يقتصر كما اشار الببلاوي، وهو خبير اقتصادي مشهود له بالكفاءة، على’ تشكيل حكومة جديدة مهما كانت رشيدة’ او حتى في ترشح هذا المرشح او ذاك وهو ما لم يقله الرجل، حيث ان اي معالجة حقيقة للوضع في مصر يجب ان تكون سياسية وشاملة بطبيعتها، دون ان يقلل هذا من خطورة مشاكل الاقتصاد الذي لايستطيع ان يعيش على مساعدات خارجية غير قابلة للاستمرار، ويجد فيها المصريون مسا بكرامتهم الوطنية، كما انه لايستطيع ان يستفيد من امكانيات وموارد ذاتية غنية بل وهائلة احيانا في ظل هكذا اوضاع سياسية وامنية.
وعلى اي حال فقد اجمع المصريون، لاول مرة منذ زمن، على الترحيب باقالة الببلاوي وان اختلفت الاسباب.
فهل سيكون رحيل هذه الحكومة التي اقترنت بانقسام سياسي ومجازر واعتقالات بداية لعودة التوافق الى ضفاف النيل؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق