بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 13 فبراير 2014

الموديل المصري... وائل عبد الفتاح

...إذا كان هناك جديد بعد 3 أعوام من سقوط التمساح المصري حسني مبارك، فانه يتمثل في عدم قدرة أي طرف على ان يبني حول نفسه دولة سلطوية جديدة، حتى لو كانت خرافات هذه الدولة حاضرة، إلا أن عودتها أصبحت من المستحيلات، لا على النموذج الروماني ولا الباكستاني.
هناك موديل مصري يتشكل لدولة ما بعد الثورات، أو ما بعد مراحلها الأولى، ستتغير فيه ألواح القوة لتقبل الدولة القديمة عدم سيطرتها على المجال العام. ستستعيد في ظل الاحتياج للأمن بعضا من مبررات السيطرة، لكنها ستفقد نهائيا خطاب الهيمنة، وستضطر إلى ترك المجال العام مواربا او مفتوحا لقبول تيارات وسطية، أو قابلة للتفاهم والحوار.
الموديل ليس مجربا من قبل، وهذا ما يمنح كل خطوة في مصر شكل المغامرة ومذاقها. فبعض من تصوروا ان أمر الرئاسة محسوم بعد تسريبات السيسي بالرغبة في الترشح، شعروا بالقلق من تأخر الإعلان الرسمي، خاصة بعدما أعلن حمدين صباحي رسميا عن ترشحه للرئاسة.
هنا لم تعد الانتخابات الرئاسية مجرد مسرحية.
2
دخول حمدين صباحي مربك لأطراف عديدة من بينها حمدين نفسه... فهو يدخل الحلبة ومعه "سابقة أعمال" وكتلة تصويتية في الانتخابات التي اتت بمحمد مرسي. كما انه ابن تيار ناصري يؤيد ترشيح السيسي باعتباره طبعة حديثة من عبد الناصر او سيقود تيار إحياء الناصرية بعد "ردة" السادات وخليفته مبارك.
ناصرية ضد ناصرية هكذا سيبدو الصراع في احد وجوهه. وضع التيار الناصري بمخزونه الشعبي غير المنظم على المحك نفسه الذي وضع عليه التيار الإسلامي في انتخابات 2012... أي انها انتخابات مصيرية ترث فيها الناصرية موقع الاسلاموية مع اختلاف التركيبات والتواريخ وأيضا مع الاتفاق على انهما تجربتان متجذرتان سياسيا في مجتمع ألغيت فيه السياسة.
بمعني آخر الانتخابات المقبلة ستكون اختبارا لنصف المعادلة التي استبدلت بها السياسة بكيانات سلطوية هوياتية تتبادل سلطتها داخل وخارج السلطة.
النصف الناصري، أو آخر ما يطرحه موديل الدولة الناصري سيدخل الاختبار بعد فشل النصف الإسلامي، وبعد سنوات عاش فيها الناصري والإسلامي غريبا على السلطة باختطافها من ورثة صنعوا خلطتهم من فتات الايديولوجيات السلطوية، لتصل بعد الثورة إلى الوريث الإسلامي منتقما من تراث هزيمتهم في مواجهة الناصرية.. وها هو وريث ناصري جديد سيتقدم منتصرا في معركة السلطوية.
3
من سيكون؟ المدني أم العسكري؟
فرص السيسي أعلى بالطبع، فهو البطل الشعبي الذي يتحلق الخائفون من الإخوان حوله، كما انه على رأس مؤسسة هي الباقية من انهيارات الدولة.
لكن الأمر لا يسير على طريقة المسرحيات الهزلية، ولا يمكن حساب النهاية بمنطق نهائي ومسيطر ومحكم، فالشعبية ليست دائمة، والمزاج العام ليس كتلة صماء لا تتغير او لا تتأثر... كما ان الخوف من الإخوان ان لم يذهب تماما او ينتقل إلى مرحلة التعاطف (عند قطاعات لا بأس بها) فانه لم يعد محركا سياسيا كافيا مع مرور الزمن.
كل هذا يصب في انها لن تكون مسرحية. أي انها لن تتم وفق خطة مكتوبة مسبقا، وهذا على ما يبدو يسبب إزعاجا وعدم راحة بالنسبة لعقلية عسكرية تعمل وفق الإجماع، وعدم المخالفة، وطلب الطاعة وهي عناصر لا وجود لها في السياسة والانتخاب.
كما ان الحرص على تماسك المؤسسة العسكرية نفسها يجعل من احتمال ترشح الفريق سامي عنان رئيس الأركان السابق، يحمل إزعاجا على مستوى "وحدة المؤسسة" خاصة مع إعادة ترتيبها بعد انتقال السيسي إلى المجال السياسي، وهو ترتيب تطالب فيه القيادات المبعدة أيام محمد مرسي بالعودة.
وإذا تمت إضافة البعد الخارجي أي المتعلق بأميركا والحليف الخليجي، فهناك ما يمكن اعتباره عدم ترحيب من وصول المشير السيسي إلى الرئاسة تحت شعارات بطولية تعتمد على معاداة الغرب وأميركا.
الحليف الخليجي أساسي بالنسبة لتلبية مطالب عاجلة وبناء استقرار اقتصادي سيكون العنصر الحاسم في تمتين سلطة الرئيس المقبل، وهذا سر رحلات التطمين على كل المستويات (رئيس الحكومة حازم الببلاوي إلى السعودية ورئيس الأركان صدقي صبحي إلى الإمارات).
...ليست مسرحية ولن تكون لانها ستدخل عناصر الشباب عبر دعم قطاعات من بينهم للمرشح المدني، وتوسيعهم المجال السياسي بالحركة في الانتخابات، إضافة إلى عناصر أخرى تفرضها تحالفات الخليج مع تكوينات مالية في مصر بما لديها من شروط وطلبات تختلف عن بقايا التركيبات المالية القديمة التي تمثلها كتلة أثرياء الأرياف التي دعمت احمد شفيق في انتخابات 2012.
...هذه الخلخلة هي جزء من الموديل المصري.
السفير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق