بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 25 فبراير 2014

سعود السنعوسي: ‘ساق البامبو’ قربتني من الآخر!

'الغزو' صنع حاجزا نفسيا بين المواطن و المقيم ..من المغيرة الهويدي:في ‘ساق البامبو’ ينطلق الروائي الكويتي الشاب سعود السنعوسي بعيداً في فضاءات البحث عن الهويّة الضائعة، ويضع الذّات مقابل الآخر، في مواجهة تسعى إلى المكاشفة أمام مرآة
تظهر حقيقة الذّات دونما مبالغةٍ أو تهويل؛ مرآة لا تظهر ما نحن عليه فقط، بل ما نحن عليه على نحوٍ كامن أيضاً.
السنعوسي يترك الباب مفتوحاً وراءه لإعادة طرح القضايا ذاتها وصياغة السؤال بغية الوصول إلى إجاباتٍ قد لا تكون الرّواية معنيّة بتقديمها، لكنّها تشرك القارئ ذاته في البحث عنها لتشكّل احتمالات حلولٍ ممكنة.
سعود السنعوسي في حوار يحدّثنا عن تجربته الروائية ، وروايته الحائزة على الجائزة العالمية للرواية العربية ‘بوكر ‘ بنسختها العربية للعام 2013 .
*تكتب بدافع انتقاد الذات وإيلامها على حد قولك في حوار سابق، هل يمكن للكتابة أن تكون مكاشفة للذات ؟
*أنا مؤمنُ بذلك . وقبل أن أتحدثَ عن القارئ، دعني أتحدّث عنّي، أنا أحد الأشخاص الذين تأثروا في الرواية كتابةً، كنت أتحرّر من أمور كثيرة . الكتابة بحثٌ، بشكلٍ أو بآخر، قد لا تصدّق إلى أية درجةٍ قرّبتني روايتي من الآخر، وإلى أي حدّ قناعات كثيرة لم تعد تعنيني . ومن خلال تجارب شخصيّة مع الكثير من القراء وجدت أن هنالك تأثيراً يتفاوت بين قارئ وآخر، ولكن هذا أمرٌ محفزٌ جداً.
*هنالك من يرى ‘أنّ الرواية لم توجد لإعطاء حلول للمشكلات الاجتماعية، ولكن من أجل طرح تلك المشكلات’، أين يكمن نجاح ‘ساق البامبو’ برأيك ؟
*يصعب علي تحديد سبب نجاح الرواية، لعل جدّية الموضوع والإعداد له، والأهمّ من ذلك هو تحمسي للقضايا المطروحة في العمل، أقول ربما. نعم أنا لا أقدّم حلولاً، لو أنّني أملكها أصلاً لما تجشّمت عناء كتابة روايةٍ بهذا الحجم، لقدمت رؤيتي وحلولي في مقالات عدة، لعلَّ المتلقي يجد حلوله على طريقته.
*تسلّط الرواية الضوء على العلاقة المتأزمة بين الكويتيين أنفسهم وعلاقتهم بالوافدين والعمالة الآسيوية والبدون، ما السبب وراء هذا التأزم؟ أينبع من أحكام اجتماعيّة أم من رؤية سياسية ؟
*الشرخ بين المواطن والمقيم جاء في مرحلةٍ لاحقةٍ، كنت صغيراً زمن احتلال الكويت، ولكنّني أجزم بأنّ عزلة المواطن وانكفائه على ذاته لم تكن كما في يومنا هذا . هذا ليست وجهة نظري وحدي، من ينتمي إلى أجيال سابقة أيضا يؤمن بهذا الأمر. الكويت كانت أكثر انفتاحاً فيما مضى، والشعور بالخذلان جرّاء الغزو صنع حاجزاً نفسياً بين المواطن والمقيم، دفعنا كلّنا ثمنه. أتمنى أن تدرك المؤسسات الثقافية أهميّة دورها بمدّ الجسور كما في كويت ما قبل الاحتلال، حينما كان المقيم والمواطن جنباً إلى جنب في المؤسسات الثقافية، فالإبداع لا جنسيّة له.
*يقدّم الأدب صورة نمطيّة للإنسان الخليجي تفتقر إلى المصداقية إلى حدٍ كبير، ما السبب وراء تلك الصورة في الأدب والثقافة عموماً ؟
*أنا لا أتّفق معك في المجمل، نعم، بعض الأعمال الأدبية ربما تقدّم صورةً نمطيّة للإنسان الخليجي، يعود الأمر إلى المبدعِ ذاته، ربما لديه بعض القيود، الذّاتية منها على وجه التحديد، تلك الّتي تمنعه عن مكاشفة نفسه، وليس الجميع يملك مقدرة المكاشفة. في الجانب الآخر هناك الكثير من الأعمال بعيدة عن التنميط، لا يسعني حصرها، ربما يشعر البعض بنمطية صورة الشخصية الخليجية بسبب تشابه الثقافات في الخليج إلى حدّ ما، وتشابه مشاكلنا، ما يجعل الشخصيات قريبة من بعضها في الصورة الذهنيّة لدى المتلقي.
*هوزيه ‘عيسى’ كان فلبينياً وفشل في أن يصير كويتياً، ألهذا علاقة باللغة أم بالعرف الاجتماعي؟
*كلاهما. أمر اللغة أبسط من وجهة نظري، هناك من الخليجيين، وإن بشكل محدود، من ينشأ بلغة أجنبية، يستخدمها في البيت والمدرسة، وهناك من ولد في الخارج ولغته العربية ضعيفة، أكرّر وإن بشكل محدود جداً، ومع ذلك بإمكانه الاندماج بالمجتمع وإن بصعوبة في بادئ الأمر. المأزق الحقيقي هو العرف الاجتماعي، أضف إليه طبيعة الثقافة المغلقة.
*ماذا لو كان هوزيه ‘عيسى ‘امرأة ؟ هل سيواجه القدر ذاته؟
*نعم. العرف الاجتماعي في هذه الأمور لا يفرق بين جنس وآخر.
*في حياة البطل ‘عيسى’ شخصيات متشابهة في تأثيرها على اختلاف مواقعها ، فالجدّ ميندوزا في الفلبين يقابل ماما غنيمة في الكويت، وتشانغ البوذي يقابل إبراهيم المسلم، ما الغاية من هذه المقابلة ؟
*أنت محق فيما ذهبت، ولكنني لن أشرح فكرة جاءت في العمل. للقارئ حريّة التفكير في الأمر.
*تبدو المرأة الكويتية في الرواية متشبّثة بالعادات والأعراف الاجتماعية أكثر من الرجل، مامردُّ هذا التشبّث ؟
*ليس الأمر متعمّداً، إنّما لا توجد في العمل شخصية رجلٍ كويتيٍّ في العائلة عدا راشد الطاروف الذي ترك العمل موتاً منذ بدايته. والتخلص من شخصية الرجل جاء بسبب تعمدّته في الرواية، انقطاع نسل الذكور في عائلة الطاروف؛ لذلك ربما شعرت بشخصية المرأة أكثر. لو كان الرجل موجوداً لن يقل عن المرأة بضعفه أمام العرف الاجتماعي. راشد الطاروف التنويري المثقف استسلم للعرف قبل موته عندما سلَّم زمام أموره لـ ‘ماما غنيمة’.
* هنالك من يرى أنّ تناولك للجنس كان باهتاً رغم أنّه يشكّل شكلاً من أشكال الهوية الضائعة مثل الدين والنسب، ما تعليقك ؟
*الجنس موجود، وحاضرٌ في العمل، وإن لم يكن بشكلٍ مباشرٍ. سواء فيما يخص ‘آيدا’ فتاة الليل، أو بالطريقة التي جاء بها هوزيه/عيسى إلى الحياة . لا مشكلة لديّ في تناول الجنس في العمل إن لم يكن مقحماً وخارج سياق الموضوع. أنا راضٍ تماما عن الإشارات الموزَّعة بين صفحات الرواية، وإن كانت هناك حاجة ملحَّة لتخصيص مساحةٍ أكبر لما تردّدت، ولكنّني أعتقد أنّني قلت ما أريد.
*ما السبب وراء التزام الرواية البناء السردي التقليدي رغم وجود أنماط سرد جديدة ؟
موضوع الرواية يختار شكله. إذا ما اتفقنا على أن هوزيه/عيسى الشاب الذي لم يتجاوز الثانية والعشرين هو من يكتب سيرته الذاتية، لن يكون مقنعا، بالنسبة لي أولاً، ثمّ إلى القارئ، أن يظهر العمل في بناءٍ مغايرٍ لما جاء. ربما فكرة الترجمة وحواشي المترجم والمدققة، هذه الفكرة جاءت لكسر رتابة الأسلوب.
لا أختلف معك في ملاحظتك ، ولكن أعتقد أنَّ لكلّ موضوع شكلٌ يشبهه.
*في مطلع كلّ فصل هنالك مقولة للكاتب والمناضل الفلبيني ‘خوسيه ريزال’، ألهذا علاقة بتقنية ‘ الكتاب المترجم ‘؟
*من غير المبرر أن يلجأ هوزيه/عيسى في كتابه إلى مقولات عربية وهو ابن البيئة الفلبينية. وخوزيه ريزال جاء يسند عيسى في روايته، من خلال مقولاته المرتبطة بكل فصل، والأهمّ من ذلك هي سيرة ريزال المناضل الذي غيّر شعبا كاملاً عندما كتب رواية ‘لا تمسني’ فضح خلالها ممارسات المستعمر الإسباني ما أدى إلى طرده في النهاية، ونيل الاستقلال . من هنا جاء هوزيه/عيسى بفكرة كتابة رواية/سيرة إيمانا منه بأنه قد يغيّر مجتمع لم يتآلف معه. أضف إلى ذلك أنّ بعض مقولات ريزال – فضلاً عن تبويب الأجزاء الأربع الأولى- موجودة في متن النّص تتماهى مع أحداث الرواية وتتشابه مع شخصيّاتها.
*كيف تنظر إلى الرواية العربية في وقتٍ تُتّهم فيه بأنّها تفتقد إلى الخصوصية؟
*المحافظة على الخصوصية ليس بالأمر السهل، خصوصاً لدى الأدباء من جيل الشباب الذين يعيشون انفتاحاً غير مسبوق على العالم إلى درجة تقارب الثقافات، وإلى درجة أنّ الكثير من الروايات تصلح أحداثها، لولا أسماء شخوصها، لأن تكون في مصر أو الخليج أو الشام . رغم ذلك، الّساحة لا تخلو من أعمالٍ لها خصوصية وفرادة . ربّما مردّ الأمر إلى أنّنا نكتب عن الظواهر عادةً، وظواهرنا متشابهة إلى حدّ ما. هناك الكثير من المواضيع التي لها خصوصية لا تشبهها في المكان الآخر. خذ على سبيل المثال مشكلة البدون، وإن كانت موجودة في أكثر من دولة إلا أنها واضحة في الكويت على وجه الخصوص، عمل يتناول هذه المشكلة لا يمكن أن يفتقد إلى الخصوصية، المشكلة في اختيارنا للمواضيع حسب اعتقادي.
*بالكتابة نساعد أنفسنا على التغيير، ما التغيير الذي أحدثته ساق البامبو؟
‘*ساق البامبو’ قربتني من الآخر بالدرجة الأولى، وعرفتني إليّ أكثر بالدرجة الثانية .

* سعود السنعوسي (1981 ) كاتب وروائي كويتي .عضو رابطة الأدباء في الكويت ، ورابطة الصحفيين الكويتيين.
للكاتب روايتان : ‘سجين المرايا’ ( الدار العربية للعلوم بيروت 2010 ) حازت على جائزة ليلى العثمان لإبداع الشباب في القصة والرواية في دورتها الرابعة .
‘ساق البامبو’ (الدار العربية للعلوم- بيروت 2013) حازت على الجائزة العالمية للرواية العربية ‘بوكر’ للعام 2013 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق