بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 23 فبراير 2014

«وبعدين»... مسرحية أردنية تحاكي أوجاع العرب - جمال عياد

يُعَد الممثل الأردني زهير النوباني من الفنانين القلائل الذين يخلصون للمسرح، خصوصاً أن مسيرته الطويلة لم تخلُ من تحديات في مجتمع لم تعد الثقافة أو الفن من أولوياته الاستراتيجية. وقد استأنف النوباني أخيراً نشاطه عبر عمل فني استعراضي
ساخر يحمل اسم «وبعدين»، من إخراج محمد الإبراهيمي. وتقدم
عروضه يومياً في مطعم «ورد» في عمّان.

يجد مُشاهد المسرحية نفسه أمام تساؤلات عن الجديد في المبنى والمعنى. فعلى مستوى المبنى، جاءت تجربة النوباني لافتةً منذ البداية، كونه غادر قاعة العلبة الإيطالية إلى فضاء المقهى، حرصاً منه على الوصول إلى فئات جديدة غير تلك التي تتابع دائماً الشأن المسرحي والثقافي الخاص بالمسرح من المثقفين والفنانين.


كما أن الرؤية الإخراجية اتكأت على قوة الزخم التعبيري لشخصيات المسرحية، فظهرت جميعها رئيسية، وذلك بغية الحفاظ على انتباه الجمهور. كما تميزت الرؤية التي تمحورت على تعرية بنية النظام العربي الرسمي بحضور قوي، ابتداءً من الشخصية الفردية، ومروراً بالقبيلة والعشيرة، وانتهاءً برأس السلطة. في حين عوّض الحضور القوي لأداء الشخصيات عن غياب عنصر التوتر الدرامي، بفعل براعة السياق الغنائي والأداء الإيقاعي لهذه الشخصيات، فضلاً عن حوارها المشحون بالكوميديا.

جاء نصّ المسرحية نتاج ورشات مكثفة لفريق العمل تحت إشراف النوباني نفسه. وضم، إلى المخرج، كلاً من يوسف كيوان ومارغو حداد وعدي حجازي ومي الدايم ونسرين صبح وعمران العنوز ودلال فياض وخلود جادلله.
العرض جاء حقلاً من العلامات السمعية المؤسسة على الدلالة البسيطة والعميقة في آن واحد، تضمنتها معاني الحوارات والنبرات، وهي ترصد حال المهمشين من الفئات الشعبية العربية العالقة دائماً بين وعود السياسيين وأنياب الفقر. فكانت «المهاهاة والزغرودة» تقنية أدائية تسخر من تأكيد رئيس الوزراء عدم رفع الأسعار، بعد موال «يا ريت زيارة دولتك مُباركة علينا وتبطلوا الكذب علينا».

إلى ذلك، ساهمت الخطوات الراقصة في تحسين الأداء وتعزيز عنصر الجذب، كالمشهد الذي يظهر إحدى المذيعات متوترة من طلبات والدتها، فيما تظهر المذيعة نفسها بكامل الوداعة والرقة وهي تتحدث عن والدتها لمناسبة عيد الأم.
دلالات سياسية
تضمن شكل العمل في جزئه الأخير، دمج مشهد من مسرحية أخرى، إذ لوحظ وجود مشهد من «حلم ليلة ربيع عربي» من بطولة النوباني ونادرة عمران وإخراج علي شبو، والتي يقدم النوباني فيها، وفق تقنية الذاكرة الانفعالية، الشخصية العربية المهزومة بفعل نتائج حرب 1967، والتي تعيش في سياق الحوادث في ملجأ للعجزة، ومن خلال مشاهدها تستحضر حواراتها فضاءات ما قبل حرب الـ67 وما بعدها، وهي المشاهد ذاتها في مسرحية «حلم ليلة ربيع عربي».

أما المعنى العام للمسرحية، فجاء مهماً جداً في دلالات اللوحات والمشاهد المختلفة، ويتوافق ذلك مع ما استخلصته الشعوب العربية، ومع تداعيات «الربيع العربي». ومفاد ذلك كله، أن مسؤولية تقهقر الحال النفسية والمعنوية للفرد العربي، وتعثّر مختلف مشاريعه الحضارية، تعود إلى حالات الفساد المستشرية في البنية السياسية العربية، وبخاصة الرسمية منها التي تنظمها وترعاها. وتجسد ذلك في سياق اللوحة الغنائية «لعيون الشعب المفصوم راح انغني ها الغنية... ظلم وقمع واستبداد وحكام...»، وغيرها من اللوحات الغنائية والحوادث الأخرى التي ظلت تلح على المعنى ذاته.

وعلى رغم تكرار المعنى الرئيس السابق للمسرحية، فإن ما يشفع له أنه قدم في لغة مسرحية لم تخلُ من زخم تعبيري جمالي أخاذ.
النوباني، المولود في قضاء نابلس، حطّ رحاله في عمّان إثر انتقال عمل والده من الشرطة الفلسطينية إلى الشرطة الأردنية بعد نكبة 1948. فتعلم في مدارس عمان قبل التحاقه بجامعة دمشق لدراسة الطب. إلا أن حسّه الفني كان أقوى، فعاد إلى العاصمة الأردنية حيث درس العلوم السياسية في الجامعة، ومنها انطلق نجمه مع «أسرة المسرح الأردني»، على يد مؤسسه هاني صنوبر.
وفي 1989، بدأ النوباني عروض مسرحيته «البلاد طلبت أهلها»، من تأليف عبد اللطيف عقل وإخراج المنصف السويسي. وأُوقفت المسرحية بقرار أمني بعد 11 يوماً من عروضها، وبعد عام واحد نالت المسرحية ذاتها جائزة الدولة التشجيعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق