بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 23 فبراير 2014

الجزائر: المنافسة بعد الانتخاب محمد الأشهب

حسم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أمر ترشحه لولاية رابعة، ولم يحسم في الصراع الملتهب حول دائرة القرار. ومع أن الأسلوب هو الشخص، فإن طريقة الإعلان عن ترشحه عبر صوت رئيس الحكومة عبد المالك سلال، يشير إلى أن الحيثيات الشكلية لها دلالاتها.استغرق إخراج سيناريو الترشح حيزاً أكبر من الاهتمام، فالرئيس لا ينقصه البرنامج وآليات التنفيذ والخبرة الطويلة التي اكتسبها على امتداد تمرسه السياسي، لكنه كان بحاجة إلى شهادة طبيب تؤكد سلامة قدراته الجسدية، وليس الذهنية، لذلك تردد كثيراً، وكانت عودته من مستشفى في باريس بعد إجراء فحوصات أشبه برحلة مظفرة، تغلب فيها على نفسه ثم اتجه يميناً وشمالاً للإدلاء بموقفه إزاء ما يتفاعل على الساحة السياسية من تراشق طاول صراعات الأجنحة العسكرية والمدنية. وكان ذلك مؤشراً إضافياً إلى أن الرئيس في إمكانه أن يجمع ولا يفرق بين القبائل المتناحرة على ضفاف السلطة.
لا يهم إن كان بوتفليقة على إدراك كامل بما يدور حول قصر المرادية من صراعات، لكن إعلان ترشحه بعد فترة وجيزة على تأكيد سلامة المؤسسة العسكرية، يشي بأن الإخراج اتسم بالدقة، كونَ من لا يقدر على الحسم الآن وهو في الرمق الأخير لولايته لا يستطيع أن يفعل ذلك أثناء الحملات الانتخابية، ضمن ما يرتديه الموقف من أهمية لا تحتمل الانتظار. ولم يكن للخلافات التي انفجرت حول المؤسسة العسكرية أن تحدث لولا أن الأمر كان مطلوباً، أقله إبراز قدرات الرئيس في الحسم من دون منح المتصارعين أوراق ضغط أريد له أن يحتفظ بها إلى اللحظة الحاسمة.

الأمر بصورة أو بأخرى امتداد لقرارات كان اتخذها من قبل نزعت أنياب بعض المتقاتلين، ليظهر الرئيس وحده كرجل التسويات، وإن أغضب ذلك هذا الجناح أو ذاك، فقد بعث برسائل تطمين مفادها أن وحدة المؤسسة العسكرية فوق أي اعتبار. ولم يكن الجيش الجزائري، الذي يراقب الأوضاع من كثب، ينتظر غير هذه الإشارة التي تزيل القلق، أو في أقل تقدير ترجئ المعارك إلى ما بعد الرئاسيات التي صار مصيرها بلا مفاجأة.
انتهت حالة التردد التي كانت أشبه باختبار لما يدور في المشهد الجزائري من صراعات وطموحات، وانتقل السؤال إلى استدراك ما ستكون عليه الأوضاع بعد انتخابات 17 نيسان (أبريل) المقبل. والظاهر أن يوم 18 سيكون بطعم مغاير، إذ تنفتح الشهية على ترتيبات البيت، أقله احتمال أن يصبح للرئيس نائب يخلفه في سلطة التوقيع والقرار، فقد جربت الجزائر مظاهر حكم جماعي بعد رحيل الرئيس هواري بومدين، واستطاع متنفذون عسكريون أن يفرضوا الاتجاه الذي يرتضونه.
مع مجيء بوتفليقة أولَ رئيس مدني عبر صناديق الاقتراع، تغيرت الصورة، فقد توارى الجيش من دون أن تختفي ظلاله والخيوط التي يمسك بها من بعيد، فلا يمكن المؤسسة العسكرية التي خاضت حرباً بلا هوادة ضد الحركات المسلحة والمتطرفين أن تترك البلاد خارج دائرة الرقابة، من جهة لأنها رأت بالعين المجردة كيف تنامى نفوذ الحركات الإسلامية على خلفية ما يعرف بالربيع العربي في دول الجوار، إذ تلوذ الجزائر بهذا الصدد إلى القول إنها اجتازت ربيعها ولا مجال لتكراره، ومن جهة ثانية لأنها ترغب في استمرارية لا تزعزع قوانين اللعبة الجارية، وإن تقبلت هامش الحركة التي تضفي على المواقف توابل التغيير، الذي يبقى على الركائز.
لئن كان مناصرو بوتفليقة سيخوضون المنافسات نيابة عنه، بعد أن يستقبل الوزراء والشخصيات المتنفذة لإقرار بعض المسافة حيال السلطة، فإن المشهد السياسي لن يعرف تغييراً كبيراً، بالنظر إلى الدور الذي تضطلع به «جبهة التحرير» وأحزاب الغالبية الداعمة للرئيس بوتفليقة، وربما لن تنجلي بوادر التحول إلا بعد التمديد لولاية رابعة، آنذاك يصبح المجال مفتوحاً أمام مبادرات التموقع، داخل النظام وليس خارجه.
بهذا المعنى، لن تبدأ المنافسات الحقيقية الكامنة وراء الستار السميك إلا بعد الانتهاء من حسم شرعية الرئاسة، وفي الاحتمالات كافة لا يتطلع الرأي العام الجزائري إلى أشواط المنافسات شبه المحسوبة، بل إلى ما بعدها من معارك ستدور داخل قصر المرادية وحوله بقدر أكبر من التوازنات، ولعل جانباً من الاتفاق على العهدة الرابعة لرئيس يشكل وجوده علامة رمزية أكثر منها الإمساك بملفات المرحلة، يكمن في أن الجزائريين لا يرغبون في الانقياد وراء المجهول، فالصراع حين يجرى تحت السطح الراكد يتيح التقاط الأنفاس وترتيب موازين القوى، فقد أخذ بوتفليقة كل ما يتمناه، وبوسع آخرين انتظار الفرصة الملائمة، إذ تخلو الأجواء من مشاحنات أصر بوتفليقة على أن يحسمها بالتزامن والإعلان بالوكالة عن ترشحه لعهدة جديدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق