بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 26 فبراير 2014

الجدل الدائر حول مشروع بناء سد النهضة د. يوسف نور عوض

منذ أن أعلنت إثيوبيا عن بناء سد النهضة والجدل لا ينقطع حول تأثيرات هذا السد وجدواه، وكانت مصر من أكثر الدول اهتماما بمشروع السد، ذلك أنمصر ليست فقط دولة مصب، بل إن حياة سكانها تعتمد اعتمادا كليا
علىمياه النيل، لأنه ليس لها أي مصدر آخر يوفر لها احتياجاتها من الماء، وكما هو معلوم فإن الاتفاقات الدولية لا تجعل من الماء وسيلة ضغط، ذلك أن حياة الملايين في مختلف بلاد العالم تعتمد عليه.ولا شك أن هناك أسرارا غير اقتصادية يعتمد عليها مشروع سد النهضة ولم يكشف النقاب عنها بصورة كاملة، لكن الجميع يعلمون أن دور مصر المؤثر في منطقة الشرق الأوسط يجعلها مصدر قلق بالنسبة لدولة مثل إسرائيل التي لا تريد لها أن تكون دولة قوية حتى مع وجود حالة تصالح معها، لكن ذلك بالطبع لا يثبت وجود أياد إسرائيلية في مشروع بناء السد، على الرغم من الملاسنات العنيفة التي صدرت من الجانب المصري، وهددت يضرب السد وتبعتها ملاسنات أخرى من الجانب الإثيوبي تؤكد أنه في حال ضرب مصر لسد النهضة فإن إثيوبيا ستضرب السد العالي، وبذلك يعود الجدل حول مشروع السد العالي ذاته، وهو الذي بنته مصر دون اتفاق مع دول المنابع، ويرى كثير من المتخصصين أنه على الرغم من فوائده الكثيرة فهو يشكل مصدر تهديد استراتيجي لمصر في حال هدمه لأي سبب من الأسباب.


ولا نريد أن يبعدنا ما قلناه عن قضيتنا الأساسية وهي سد النهضة الذي يثير جدلا واسعا في الوقت الحاضر، خاصة من الجانب المصري، ونريد الآن أن نتوقف لنستعرض بعض الآراء والتطورات التي تولدت عن المشروع لنرى مدى أهميتها في اتخاذ المواقف بالنسبة لمشروع هذا السد .
يرى بعض المصريين أن موقف السودان مهم جدا لمصر في مشروع سد النهضة، وذهب ‘محمد هيكل’ عضو حركة تمرد أن السودان أيد هذا المشروع، ولكنه لا يتوقف عند أسباب موضوعية تجعل السودان يتخذ مثل هذا الموقف، بل يربط موقف السودان المفترض بالأحداث السياسية الراهنة في مصر، ويرى أن نظام الحكم الإسلامي في السودان سوف يستمر في افتعال الأزمات مع مصر بعدما تعرض له التيار الإسلامي فيها، ولكن هل يعقل أن يتخذ السودان موقفا مهادنا في قضية إستراتيجية كهذه، الإجابة بكل تأكيد لا .
وذهب هيكل في الوقت ذاته إلى ان على مصر أن تقف بحزم مع إثيوبيا وأي دولة أخرى تؤيد موقفها بعد أن تدرك سلبيات وإيجابيات بناء السد، لكن إذا ما ثبت أنه لن تكون هناك أضرار لهذا السد فيجب العمل من أجل توطيد العلاقات مع الدول الأفريقية.
ولقي موقف السودان أيضا انتقادا من ‘إلهامي الميرغني’ رئيس حزب التحالف الاشتراكي، كما لقي انتقادا من ‘حمدي حسين’ القيادي بالحزب الشيوعي الذي رأى أن موقف السودان سيضعف موقف مصر بشكل كبير .
وهكذا توالت الاعتراضات على موقف السودان المفترض من ‘شريف فياض’ عضو المكتب السياسي لحزب التجمع و’رائد سلامة’ الخبير الاقتصادي وعضو مجلس أمناء التيار الشعبي. ولم يكتف هؤلاء بالإشارة إلى موقف سلبي يقولون إن السودان قد اتخذه، بل ذهبوا إلى إلى الهجوم على السودان قائلين إن موقفه لا يتناسب مع علاقات الدم والعروبة التي تربط بين البلدين .
وفي المجال الدبلوماسي الخالص رفض عدد من الدبلوماسيين المصريين تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي التي قال فيها إن مصر لن تكون قادرة على تدويل قضية السد، وأكد هؤلاء أن مصر قادرة على تدويل هذه القضية في مجلس الأمن والجامعة العربية، بل وقادرة على شن حرب على إثيوبيا إذا لزم الأمر، وقال السفير ‘محمد الشاذلي’ عضو المجلس المصري للعلاقات الخارجية إن التحرك المصري بشكل خاطىء في البداية هو الذي شجع إثيوبيا على التمادي في موقفها من بناء السد ظنا منها أن مصر ضعيفة ولن تكون قادرة على فعل شيء.
وطالب الشاذلي بضرورة أن تتحرك مصر من أجل مواجهة الموقف الإثيوبي كما يجب أن تتحرك الدول الأفريقية في هذا الاتجاه. ويلح الشاذلي على ضرورة أن تلجأ مصر إلى الخيار العسكري إذا فشلت سائر المساعي من خلال الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، ولكنه لم يحدد الكيفية التي يمكن أن تلجأ من خلالها مصر لخيار العسكري.
أما الدكتور ‘نادر نور الدين’ أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة، فقال إن إثيوبيا تشعر بالرعب من التوجه الدولي لمصر وتأثير ذلك على الممولين وخاصة البنك الدولي .
وكان السفير ‘محمد المنيسي’ وزير الخارجية المصري السابق قد أكد على ضرورة أن تتحرك مصر في عدة محاور من أجل وقف العمل في هذا المشروع، مؤكدا أن إثيوبيا ستواجه مشكلات تتعلق بالتمويل والخبرة الفنية، وقد أكد أن مصر تتحرك في الوقت الحاضر في هذين الاتجاهين من أجل حماية مصالحها.. 
ومن جانب آخر كان السفير ‘أحمد حجاج’ مساعد وزير الخارجية السابق قد أكد على فشل المباحثات بين مصر وإثيوبيا في شأن بناء السد، ويرى السفير أن على مصر أن تتصل بالدول المؤثرة من أجل حل هذه الأزمة التي لا شك أنها ستؤثر على حصة مصر في مياه النيل، خاصة أن مصر من وجهة نظره استنفدت كل الوسائل من أجل التأثير على الموقف الإثيوبي.
وكما نرى فإن المواقف المصرية تتركز في ضرورة التفاهم والعمل من أجل إيجاد موقف دولي يؤثر على إثيوبيا والمواجهة العسكرية إذا لزم الأمر .
وعلى الرغم من كل ذلك الزخم يبرز موقف معتدل تمثله السفيرة منى عمر المبعوث الخاص للرئيس ‘عدلي منصور’ إلى الدول الأفريقية، التي ذهبت إلى القول يجب ألا ينظر إلى هذه القضية من زاوية مصلحة مصر فقط، بل يجب في الوقت ذاته أن ينظر إلى مصالح الدول الأفريقية أيضا في المياه التي تنبع في أراضيها . وترى السفيرة أنه إذا كانت هذه السدود ستشكل مصلحة للدول الأفريقية فلابد أن تكون هناك سياسة لتعويض هذه الدول إذا لزم الأمر، دون أن توضح السفيرة الكيفية التي يمكن أن تعوض بها مصر الدول العربية، ومن أين تتوافر لها المصادر من أجل أن تقوم بمثل هذا العمل.
ويبدو من كلام السفيرة أنها لا تريد أن تكون مسألة بناء سد النهضة أساسا لتوتير العلاقة مع الدول الأفريقية، ولكنها لم تؤكد على أن المياه حق لكل الدول التي تمر بها الأنهر خاصة إذا لم تكن لها موارد أخرى، ولا شك أن الحديث يدور حتى الآن حول المخاطر التي يشكلها سد النهضة على حصة مصر من المياه، ولكن لم يتحدد بصورة علمية نوع الضرر الذي سيلحق بمصر أو حجمه، وبالتالي فإن الحديث عن التفاهم أو التعويضات ربما كان سابقا لأوانه في هذه المرحلة، لأن الشيء المسلم به هو أن من حق مصر أن تحصل على الماء الذي يحتاج إليه شعبها بصورة كاملة، وإذا كان قيام مثل هذا السد لن يؤثر على حصة مصر فيجب أن تعتبر المسألة منتهية، أما إذا كان البناء سيؤثر على حصة مصر فيجب أن ينشأ موقف عالمي رافض لذلك، لأن مشكلة المياه سوف تتكرر في مناطق أخرى من العالم وربما أدت إلى قلاقل خطيرة، لأن مسألة المياه هي مسألة حياة أو موت بالنسبة لكثير من الدول، وكانت في الماضي تحل عن طريق التفاهم ويجب ألا تكون وسيلة حلها في الوقت الحاضر هي الحروب.
كاتب من السودان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق