بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 19 فبراير 2014

التعلًّق بالأشخاص في الحياة السياسية العربية د. علي محمد فخرو

نصيحة لوجه الُله : إذا كان شباب ثورات وحراكات الربيع العربي، التي في صعود وهبوط طبيعيّين، يريدون إنجاح ما ضحًّوا بالكثير من أجله فان عليهم دراسة تجارب ثورات الآخرين، إذ فيها الكثير من الدروس
والعبر.دعنا نستحضر مثالاً هاماً من دروس الثورةالفرنسية. إبًّان الهرج والمرج السياسي والفكري الذي رافق تلك الثورة في سنواتها الأولى على الأخص اخترع فيلسوف فرنسي (إسمه دستوت دوتراسي) كلمة الإيديولوجية الشهيرة. ولقد عنت تلك الكلمة منذ البداية أن المنتمين لأية إيديولوجية معينة يمتلكون الحقيقة المطلقة وأن الآخرين يمتلكون الضلالة وكل ماهو غير حقيقي.
وظناً من هؤلاء الإيديولوجيًّين المؤمنين بالجمهورية الليبرالية بأنهم يحتاجون لقيادة قوية كاريزمية لتحقيق أهداف إيديولوجيتهم الليبرالية تبنُّوا ضابطاَ صاعداً وواعداً إسمه نابليون بونابرت.
لكن ما إن مرُّ وقت قصر على استلام ذلك الضابط مقاليد الأمور حتى بدأ يشير إلى من ساندوه من الجمهوريين الليبراليين باستهزاء واحتقار بأنهم المنظًّرون الذين ما إن يتعاملوا مع السياسة حتى يفسدوها. بقية قصص نابليون ومغامراته وما أوصلت فرنسا وأوروبا إليه من مآس معروفة ولا تحتاج إلى التذكير بها.
عبرة هذا الدرس لشباب الثورات والحراكات العربية أن لا يقعوا في مطبًّ التفتيش العبثي عن هذه الشخصية المدنية أو العسكرية أو الدينية الواعدة، فيضعون أهداف ومصير حراكاتهم في مهبًّ الريح. المطلوب هو بناء المؤسسات الديمقراطية المدنية الفاعلة، المعتمدة على مساندة الجماهير الواعية، القادرة على الاستمرار في الأفق الزمني البعيد، المبتعدة عن الشخصنة وطقوس عبادتها والإكتواء بنيران تقلُّباتها وهلوساتها. ولديهم أمثلة عربية كثيرة طيلة القرن الماضي والتي أظهرت أن أمام مثل كل نجاح واحد وجدت عشرات الأمثلة من الإخفاقات والكوارث. المطلوب هو مؤسسات ناجحة يديرها ديمقراطيون ناجحون بالتعاضد والتناوب، وليس قادة تنصهر الأمة ومؤسساتها في شخصياتهم التي كثيراً ما تكون نرجسية.
بل إن تاريخنا العربي الإسلامي يقدًّم العبر. فأمام شخصيات عدالة الخليفة عمر بن الخطاب وطهارة الإمام علي بن أبي طالب وعفًّة الخليفة عمر بن عبدالعزيز هناك العشرات من شخصيات الطاغية الحجًّاج بن يوسف والدموي الخليفة العباسي السفًّاح والمجنون الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله. الشخصنة في كل حقب التاريخ لم تنجب عبر العصور إلاً مثل أولئك وفي عصرنا الحديث قادت إلى أمثال هتلر وموسوليني وستالين والقًّذافي .
ويذكر التاريخ أن أحد أغنياء روما، عاصمة الأمبراطورية الرومانية، أطعم الفقراء الجياع إبًّان فترة مجاعة، فما كان من الرومانيين إلاً أن اعدموه. وبرًّروا ذلك بأن ذلك الغني كان يجمع ويهًّيئ أتباعاً ليساعدوه في أن يصبح طاغية مستبداً. لقد فضًّل الرومانيون حريًّتهم على رفاهيتهم.
اليوم في بلاد العرب، في وهج وآلام الحراكات الثورية، هناك من ينبرون كمخلًّصين ومشفقين، لإقناع الشباب والجماهير باعطاء أفضلية لفتات الإقتصاد، لاستثمارات آنية غير مؤكدة من هذه الجهة الغنيًّة أو تلك، على الكرامة والحرية والعدالة. لقد حسمت روما خيارها لصالح الحرية، فهل يستطيع شباب الثورات والحراكات حسم خيارهم وينتقلون إلى مستوى ووجهة أكثر وضوحاً وكفاءة واقرب لسيرورة ديمقراطية إنسانية صاعدة بعيداً عن كرنفالات تسويق هذه الشخصية أو تلك ؟ 
لقد كتب الكثير عن النظام الأبوي القائم على سلطة الإخضاع والتبعية والولاء وغياب الإستقلال في تركيبة العائلة العربية وفي العلاقات المجتمعية العربية. واعتبر بعض علماء الاجتماع أن هذا النظام غير الديمقراطي هو أحد إشكاليات تخلف المجتمع العربي. ومن يريد معرفة الأصول التاريخية والاجتماعية لظاهرة الأبوية المريضة سيجدها في كتب الدكتور المرحوم هشام شرابي على سبيل المثال.
لكن ما يهمنا هو التوجه إلى شباب ثورات وحراكات الربيع العربي لنذكًّرهم بالآتي : إذا كنتم قد استطعتم بنجاح كسر حاجز الخوف التاريخي من سلطة الإستبداد ودخلتم في مواجهة نفسية وذهنية وجسمية معها، فانكم أيضاً قادرون على كسر حاجز الإنبهار الطفولي غير الناضج بالأب الحكيم القادر وحده على القيادة في عالمي السياسة والحكم. لا تدعوا عادة انبهار الطفل العربي بوالده الكبير أو بأخيه الكبير، وبالتالي مسح ذاته، أن تنتقل الى ساحة السياسة، هذا إن كنتم تريدونها ساحة تغييرات تاريخية كبرى يقع عاتقها على الجميع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق