بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 16 أغسطس 2014

المسلمون بين استحالتين يأكلون لحم مجتمعهم - الفضل شلق

القتل بالقتل يذكر.
تخيّل أن عصابة من آكلي لحوم البشر قبضت عليك في إحدى الغابات وقرّرت التهامك. ثم غيّروا رأيهم وقرّروا التهام نصفك، فهل يعني ذلك أنهم انتقلوا من التطرّف إلى الاعتدال؟
التطرّف الذي نشهده الآن لدى المسلمين العرب غير معروف في تاريخهم. إنه أمر جديد على هذا الدين، لكنه يشكّل بنية ذهنية جديدة؛ لها أسباب عديدة تنبع من السياقات السياسية والتاريخية الجديدة. ليس التفسير من أجل التبرير، إذ لا يمكن تبرير ما يجري على أيديهم في العديد من البلدان العربية. لكن التفسير من أجل الفهم أمر ضروري. يبدأ ذلك بالتشخيص، وعلينا تقديم بعض مقترحات التفسير، ولو كان جزئياً، من أجل النقاش والفهم.
يشير المزاج الشائع لدى أهل التسنّن إلى مزاد سوداوي. هم يعيشون في الماضي الذي لا يستطيعون استعادته. تريد السلفية الإسلامية إجبار الناس على نمط السلف الصالح الذين عاشوا منذ خمسة عشر قرناً؛ ويستحيل ذلك. يعتبرون المرحلة الأولى من الإسلام نمطاً للعيش يجب تقليده. يفترضون صورة للماضي الأول، ويحاولون تثبيتها. يبذلون الجهد كي يتحوّل وجود الناس إلى انعكاس لهذه الصورة. ليس مهماً أن تكون الصورة التاريخية صحيحة. الأهم إعادة تشكيل الحاضر حسب الصورة المرسومة في أذهانهم. يدركون، أو لا يدركون، أن المجتمع ليس مطواعاً لهم، وأن التاريخ لا يخضع للهندسة الاجتماعية، وأنه سلسلة حقائق لا رغبات. يهملون الحاضر، يغضبون على ناسه فيقتلونهم. يفتكون بهم، ولو كانوا مسلمين أو غير ذلك. يعتقدون أن الأقرب هو العدو الأول. لا تعنيهم الإمبريالية أو إسرائيل. يعنيهم فقط مجتمعهم من مختلف الأديان والقوميات والإثنيات؛ هؤلاء الذين لا يخضعون لإعادة التشكيل والمطاوعة.. إذن يجب قتلهم.
تعني السلفية أن الحاضر لا أهمية له، وأن أهله هم الأشرار. انضمت فرق إسلامية سنية إلى هذا الاعتقاد الوهابي، خاصة بعد أن صارت الوهابية متخمة بأموال النفط. صارت سلفية النفط قابضة على الوعي العام. وصار القتل مبرراً. يعتبرون أن عليهم تطهير الأرض وتطهير أنفسهم من هؤلاء الذين لا يخضعون لهم ولا يتشبّهون بهم ولا يخضعون لآرائهم. يعتبرون آراءهم هم حقائق إلهية فيحقدون على من لا يقرّ بذلك.
يعيش أهل التشيّع على أمل المستقبل لا الماضي. ينتظرون دولة العدل التي لن تتحقق إلا على يد المهدي المنتظر. ينتظرونه وهو لا يأتي. العالم مملوء بالجور والطغيان؛ وهم الضحايا. يفعل بهم المستقبل المستحيل مثل ما يفعل الماضي المستحيل بأهل التسنّن. يخفف من حالتهم أن لهم دولة مرجعية غير موجودة بالنسبة لأهل التسنّن.
ما يجمع بين المسلمين اليوم هو إهمال الحاضر من أجل الماضي أو المستقبل. فقدان الحاضر هو في الآن ذاته التخلي عن العقل والعقلانية لصالح وضع نفسي مأزوم. الأزمة تزيدها اضطراماً الهزيمة والفشل. مهما حققوا من انتصارات فإن الأفق أمامهم مسدود.
اعترفوا بثورة 2011 العربية، على أمل وضع الدستور، وهذا يعني بالنسبة لهم تطبيق الشريعة، أو ما يرون هم الشريعة. الثورة فعل تأسيس؛ نزول الجماهير إلى الميادين لإعلان حريتها بإسقاط النظام. طبيعي أن يأتي بعدها الدستور لوضع قيود على هذه الحرية. أُسقط حكم الإخوان المسلمين في مصر لأن الناس اعتبروا أنفسهم مسلمين على مدى التاريخ ولا يحتاجون إلى هداية من جديد؛ بل اعتبروا شعار تطبيق الشريعة تحدياً لكونهم مسلمين.
إهمال الحاضر لصالح الماضي أو المستقبل، يعني الاستهانة بأهل الحاضر والاستخفاف بحياتهم. يكثر القتل والتدمير. يخرّبون مجتمعهم من دون اعتبار لما يجره ذلك. في سلوكهم إلغاء للسياسة. تحل مكانها إيديولوجيا صرفة، إيديولوجيا حاقدة على الناس، على الأقربين قبل الأبعدين. يأكلون لحم مجتمعهم.
يتوزع وعي المسلمين راهناً بين استحالتين: واحدة تتعلق بالماضي، والثانية تتعلق بالمستقبل، وفي جميع الأحوال يتم التخلي عن الحاضر وأهله. وفي التخلي احتقار للحاضر لصالح مقولات عليا، واستخفاف بالبشر لصالح مقدسات. ويصير الناس أدوات، بالأحرى وقوداً تحرق في سبيل التصورات العليا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق