بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 19 أغسطس 2014

في الحالة الفلسطينية كما في الحالة اللبنانية! - مرزوق الحلبي

لإسلام السياسي في لبنان وفي فلسطين قام بالحركة نفسها لتبرير وجوده. فقد استثمر واقعاً مُعطى للالتفاف على المشروع الوطني وإحلال المشروع الخاص بدلاً منه. ففي لبنان، خطف «حزب الله» الوطن في السنوات التي عكف الشركاء فيها على تجاوز دمار الحرب الأهلية وقبض على روح الدولة ومفاصلها (المطار مثلاً) واحتكر قرار الحرب مع إسرائيل وتحديد السياسة. وفي فلسطين أيضاً، التفّت حركة «حماس» ومثيلاتها على المشروع الوطني بالاستيلاء على قطاع غزة ومصادرة إمكانية تطوير الإرادة الجامعة المصيرية لبناء أمة ومجتمع وشطب فكرة التسوية مع الدولة العبرية، مع احتكار أمر الحرب والسلم معها. في الحالتين تم ارتهان المشروع الوطني (بناء دولة المؤسسات في لبنان والاستقلال في فلسطين) لمشاريع عقيدية لا تتطابق مع المشروع الوطني وإن كانت تدعيه أو تحمل همومه. ونقرّ للحركات الدينية في الحالتين قدرتها على تجيير الواقع القاسي في سبيل نشر عقيدتها ومشروعها «الإلهي». وفي الحالتين يتبين ذاك الطرف أو الأطراف الخارجية المستعدة للتمويل، وهو استعداد لا يأتي لسود عيون «قضية فلسطين» أو «المقاومة» بل لخدمة أجندة الدولة المموّلة، وهي قد تتغيّر!
عندما قرّر الشركاء اللبنانيون تمدين علاقاتهم ونزع أسلحة الميليشيات كانت إيران تعدّ «حزب الله» لمشروع مغاير كلياً وهو مشاغلة إسرائيل وضمان موطئ قدم لها على البحر المتوسط وكقوة ضاربة تستخدمها عند الضرورة - أنظر ما يفعلونه في سوريـــة الآن. وبينما كانت السلطة الوطنية تستعدّ لتعـــزيز قوتها التفاوضية كانت قطر وتركيا وحركة «الإخوان المسلمين» في المنطقة تعدّ «حماس» للعب دور عابر للقضية الوطنية. وفي الــحالتين تم استثمار القضية الوطــنية وشــدّها حتى تقطيع أوصالها. في لبنان ادعى «حزب الله» المقاومة حتى تحرير القدس من الكـــيان الصهيوني أو «بيت عنكبوت»! واتضح أنه كـــن يستثمر في الأسهم الوطنية ليستولي على الوطن كافة في اللحظة المناسبة بدعم سوري - إيراني متعدد الأشكال. وفي فلسطين ادعت «حماس» مقاومة الاحتلال الإسرائيلي حتى استحوذت على غزة كجزء من مشروعها الإسلامي المرتبط بأجندات خارج- فلسطينية، تتعدى فلسطين إلى خِلافة أو أشــكال أخرى للوجود الديني. وفي الحالتين كانت إسرائيل حاضرة كعدو فعلي ومفترض في آن.
في الحالتين تعامل «حزب الله» و»حماس» مع الوضع كأنه لم تكن قبلهما لا مقاومة ولا نضال ولا حروب ولا تضحيات. خطاب الحركتين ينطوي على إجحاف بحق الذين ناضلوا لأجل المشاريع الوطنية في فلسطين ولبنان. كأنهم لم يكونوا وكأن المدّ القومي العربي لم يحاول بكل ما أوتي من عنفوان وأدوات وإمكانات. واللافت أنه عندما بدأ المشروع القومي في لبنان وفلسطين بإدراك نقاط ضعفه وبالانتقال من الحلم الرومانسي إلى السياسة العملية، ظهرت لنا ألوية «حزب الله» و»حماس» لتنشئ خطاباً غير عملي وعقيدة قتالية تُعيد الصراع إلى المربع الأول- وليس لأجل الوطن بل لأجل عقائد بائدة أثبت «حزب الله» عقمها حينما انبرى يدافع عن نظام دمشق الدموي. وأثبتت ذلك حركة «حماس» التي شرعت تتدخل في مشروع حركة «الإخوان» في مصر، وتمدّ مجموعاتها العسكرية في سيناء بالتدريب وبالسلاح.
صورتان ترتسمان في فلسطين ولبنان بدعوى محاربة إسرائيل والعدو الصهيوني، بينما العيون على أهداف أخرى أبعد. فـ «حزب الله» مدين بولاء معلن وفعلي لمشروع ولاية الفقيه المتمثل في إيران دولة عظمى إقليمياً وعالمياً ونووياً. أما «حماس» فمرتبطة بمشروع «الإخوان المسلمين» في المنطقة والمتمثل بالاستحواذ عليها واستعادة زمن الخِلافة على أوسع حيز ممكن! بمعنى، أن الأوطان مجرّد جزئيات فإما أن تخدم المشروع الأبعد، وإما لا جدوى فيها أو لا أفق لها. لأن العقائد هي الأساس فإن قيمة الإنسان في الحالتين مشتقة فقط من المشروع، وهي غير قائمة بحدّ ذاتها. فـ «حزب الله» كان مستعداً لمغامرة تموز 2006 غير آبه بالثمن ولا بعدد الضحايا (طالما أنه يحصل بدل كل دولار ضائع على دولارين للتعويض) و»حماس» كانت مستعدة لثلاث مغامرات كهذه غير آبهة بالكُلفة، فهي كما يبدو غير ذات أهمية ما دامت الأهداف الأيديولوجية أهم من الناس وقضاياهم. بل رأينا «حزب الله» و»حماس» يستثمران حجم الدمار الذي أحدثته إسرائيل في فلسطين ولبنان ليدلّلا على «جودة» بضاعتهما في السوق السياسية وصدق الرواية على ألسن المتحدثين من لدنهم ومن الفضائيات المعجبة بظلالها! ومهما يكن من أمر نتائج مثل هذه الحروب الصغيرة، ستخرج الحركتان بالادعاء ذاته من انتصار أو إرباك العدو أو الصمود أو ما شابه! وهذا مناسب جداً لحركات أصولية العقيدة قامت ونامت على عقيدة عسكرية تقدس الموت وتمقت الحياة، كما نشهد من خطاب الحركتين وأفعالهما كطريق آمنة إلى الجنة أو سدرة المنتهى الأيديولوجية. أمر يبدو طبيعياً لحركتين خُلاصيتين تتمسحان بمشاريع لا نرقى إليها نحن البشر!
ذهاب الحركتين في خيار العقيدة الدينية والمشروع الذي يتجاوز الوطن، قد يُفضي في مراحل مقبلة إلى حروب أخرى دموية. ونرجح أنه كلما زاد الضغط على الإسلام السياسي الشيعي والسنّي فإنه سيُترجم بأيدي «حماس» أو «حزب الله» إلى فائض وطنية ومقاومة وعسكرة للعقيدة. أما إذا أفضت تحولات المنطقة إلى استقرار وانحسار في المشروعين الإيراني و «الإخواني»، فإن الحركتين قد تؤجّلان أحلامهما. ولأنهما استطاعتا الدمج بين واقع مسدود الأفق وبين عقائد مدفوعة بالنفط والغاز وريعهما، فإن هناك مَن عوّل عليهما وزفّ لنا بشرى طهران والقرضاوي وأسقط عليهما أمانيه ونزعاته الدفينة. ومن هؤلاء أولئك الذين حسبناهم عقلاء ومتحررين من سطوة العقائد الداثرة وهيمنة الدولار. ومن هؤلاء مقهورون حتى النُخاع يتوقون إلى نصر ولو كاذباً أو لفظياً، ليستعيدوا توازنهم المفقود ومعانيهم الضالة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق