بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 14 أغسطس 2014

نظام مبارك يرفع رأسه: «عودة المنتقم»؟

للمرة الاولى منذ رحيله عن الحكم في الحادي عشر من شباط/ فبراير في العام 2011، شاهد المصريون رئيسهم الاسبق حسني مبارك، ملقيا ما كان يفترض ان يكون «حديثا الى المحكمة لنفي اتهامات تراوحت بين قتل المتظاهرين والفساد المالي»، الا انهم فوجئوا بخطاب «رئاسي سياسي عاطفي» لم ينقصه الا المصفقون، او ان يهتف أحدهم في القاعة مذكرا اياه باعلان «المنحة المالية» المعتادة في عيد العمال.
على هذا المشهد الساخر يفترض ان يسدل الستار في ختام تراجيديا استمرت لثلاثة عقود، وتركت مصر حيث هي الان، بانتظار الكلمة الاخيرة من المحكمة المفترض ان يشملها الحكم النهائي الذي ستصدره في السابع والعشرين من الشهر المقبل.
الا ان المفاجأة الاكبر هي ان المحاكمة تحولت من جنائية الى سياسية – اعلامية بامتياز، اذ وفرت منبرا لتصدير «خطاب انتقامي» من ثورة يناير، وكل من ساندها من نشطاء او اعلاميين بهدف اعادة احياء النظام الذي اطاحته، حتى بدت محاكمة للثورة والثوار وللشعب الذي «شارك في المؤامرة»، وليس لمن كانوا في موقع المسؤولية عندما قتل نحو الف مواطن مصري في مواجهات مع الشرطة شاهدها العالم اجمع على الهواء مباشرة.
لقد وصل الامر الى حد سماح المحكمة للعادلي بتوجيه تهديدات مباشرة الى بعض الاعلاميين بالكشف عن فضائحهم الاخلاقية في حال استمروا بالدفاع عن الثورة. وهكذا فان «دولة مبارك الامنية» وللمرة الاولى ترفع رأسها ساعية للانتقام بشراسة من اعدائها. وهو ما يستوجب ردا واضحا من النظام الذي سعى العادلي الى توريطه بالاشارة الى ان «القيادة الحالية» تشاركه الرأي في اعتبار يناير مؤامرة وليس ثورة، على الرغم من ان الرئيس عبد الفتاح السيسي كان أعلن بوضوح موقفه المؤيد لثورة يناير باعتبارها ثورة شعبية وطنية.
اما من الناحية القانونية، فإن مبارك كان حظي بالبراءة فعلا في المحاكمة السابقة من اصدار اوامر بقتل المتظاهرين، الا انه حكم بالمؤبد اثر ادانته بـ «الفشل في حماية المتظاهرين». وهو الحكم الذي الغته محكمة النقض وقررت اعادة المحاكمة بناء على طلب الدفاع. ولم يقل مبارك اي شئ يدفع عنه هذا الاتهام، بل ركز على لوم «مؤامرة مزعومة» بين الاخوان وعناصر اجنبية، وهو ما يدينه ولا يبرئه اذ انه يتولى رئاسة كافة الاجهزة الامنية والشرطية المنوط بها مواجهة هكذا «مؤامرة» وافشالها، في حال وجودها.
وينطبق الامر نفسه على وزير داخليته، الذي اعترف ان شرطته انهارت في غضون ساعتين يوم الجمعة الثامن والعشرين من كانون الثاني/يناير 2011. وجاءت مرافعته مليئة بالتناقضات اذ أصر على انكار حدوث ثورة بينما اعترف بنزول ملايين المصريين السلميين للشوارع و»منهم من كان يحمل طفله على كتفه».
بل بدا الرجل وكأنه يهذي عندما قال «ان الامم المتحدة اشادت بجهاز الشرطة في عهده وطلبت تطبيق نموذج عملها في دول العالم (..)».
وربما يكون مبارك وجلاده صادقين في قولهما انهما لم يصدرا اوامر مباشرة بقتل المتظاهرين، والسبب انهما لم يكونا بحاجة الى اصدار هكذا اوامر. لقد كانت ثقافة القتل بدم بارد والانتهاكات الحقوقية الدموية التي يتحملان المسؤولية الكاملة عن تفشيها في ممارسات الشرطة في عهدهما كفيلة بقتل المتظاهرين من دون اوامر.
والدليل على هذا ان الضباط والمخبرين لم يتلقوا اي «اوامر» ايضا بقتل خالد سعيد او سيد بلال او غيرهما من الذين ماتوا تحت التعذيب على ايدي شرطة العادلي.
ان محاكمة حقيقية لمبارك لايمكن ان تقتصر على قتل ألف متظاهر، بل يجب ان تشمل عصرا كاملا من الفساد والافساد، حتى اصبح الفساد «ثقافة» وليس ظاهرة كما هو في اي بلد اخر، ناهيك عن التدهور الحقوقي والاقتصادي والحياتي.
واخيرا فقد تحمل المصريون من النظام الحالي رفع الدعم وزيادة الاسعار وانقطاع الكهرباء، ولكنهم هل سيقبلون منه او من غيره، السماح باستمرار هذا الاستفزاز لكرامتهم عبر اهانة ارادتهم الثورية واهدار دماء شهدائهم؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق