بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 20 أغسطس 2014

قوافل الغزاة على الطرق الحديثة - وائل عبد الفتاح

ـ 1 ـ
...لم تعد الصلة بين الحكم والواقع قوية كما كانت. الطبقات السياسية من المحيط الى الخليج كانت تصنع الحياة اليومية. لكنها الآن دخلت مرحلتها الخرافية. واتسعت المسافات. السلطة في وادٍ بعيد بينما الناس يسيّرون حياتهم اليومية بالحلول الفردية وغريزة البقاء. يتلاشى الحكم تدريجياً ليصبح سلطة معلقة على مقاعد وقبضات تلوح في فراغ هائل. بينهما أنياب كائنات منقرضة. وهذا ما يجعل الحياة تسير والسلطة تعوي دفاعاً عن وجودها أو كيداً من منافسيها... أو من آكلي الدول مثل «داعش» التي تتحوّل كل يوم من حدث غامض الى ثقب أسود يبتلع زمناً عربياً كاملاً.
ومن استعراضات الوحشية اليومية في سوريا والعراق الى مسخرة نشرتها مواقع حكومية مصرية عن سرب سيارات دفع رباعي في الطريق الدائري للعاصمة ترفرف عليها أعلام «الخليفة البغدادي».
بين الواقع والعبث المسافات قصيرة.. كما هي بين مغادرة الوفد الإسرائيلي القاهرة.. إنهاء لمفاوضات هدنة غزة.. وبين عودة مصر إلى شراء الغاز من إسرائيل بعد سنوات من ضخ الغاز المصري الى تل أبيب بأرخص من التراب.
ـ 2 ـ
.. هكذا تدخل مصر ظلاماً عبثياً كل ليلة.
ويعيش الملايين محنة انقطاع الكهرباء في بلد كانت تصدرها ذات يوم... كما أن الدراسات أشارت الى ان إحدى مزايا «السد العالي» حماية مصر من المجاعة الكهربائية.
أين ذهب «نور» الدولة الأكبر والأكثر استقراراً...؟ لماذا تنهار البنية الأساسية بهذه السرعة المثيرة للرعب؟
الدولة في مصر مشغولة بالبحث عن «مشروع كبير» يحقق مجداً للرئيس الجنرال. بينما لا حلول في الأفق للبنية المنهارة. وترد على المرعوبين من الظلام: احمدوا لله أن مشكلتكم في الكهرباء... وأن داعش لم تأكلكم كما أكلت سوريا والعراق ولا دخلتم في المتاهة مثل ليبيا... لكن الحياة تزداد صعوبة... ويزداد الشعور بالعودة الى عصور ما قبل الحداثة... وبالاقتراب من حدود «الجمهورية الفاشلة»...
الأزمة مستمرة منذ ٢٠٠٩ ولم تفكر الدولة لا قبل سقوط مبارك ولا بعده في التخلي عن أسلوبها في تحميل المواطن المسؤولية والشعور بالذنب، لأنه أصبح حملاً ثقيلاً على الدولة. هو السبب في العتمة وعليه أن يتحلى بالصبر والاستعداد لعصر الظلمات.
ومن هذه المعاناة يتم إعداد المواطن إلى تقبل الحياة في كنف «دولة فاشلة»... لديها قبضة ديناصورية قاتلة.
ـ 3 ـ
والبديل «داعش»...
أي أن الاختيار بين «داعش» والفشل...
بين تحمّل ظلام الفشل أو ظلام البربرية المعاصرة... بين مذابح إسرائيل وغازها...
اختيار ندفع فيه ثمناً باهظاً لسنوات عشناها في كهوف دولة التزاوج بين الاستبداد الشرقي والغربي... بين التحرر من الاستعمار الأجنبي والوقوع في الاستعمار المحلي... وبين الخلافة القديمة بأقنعة حديثة.
ثمن هذا الصمت نقابله اليوم حيث نطارد أشباحنا المحلية... ونلوك شعارات مضغت مثل القات اليمني أكثر من مرة... وننتظر قدوم قوافل الغزاة على الطرق الدائرية الحديثة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق