بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

◘ لا أحد يريد نهاية حماس شكرا لـ«داعش» توفيق رباحي

عندما قررت الحكومة الإسرائيلية بدء هجوم بري على قطاع غزة بعد عشرة أيام من العدوان الجوي والبحري، أصر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على ان يكون واضحا وهو يعلن ذلك. قال: الهدف هو القضاء على أنفاق حماس. 
لم يقل، كعادته، القضاء على حماس. هذه لهجة جديدة تختلف عن لهجة الحروب السابقة على قطاع غزة منذ سيطرة حماس عليه قبل سبع سنوات. في السابق كان الهدف الإسرائيلي، تصريحا وتلميحا، هو القضاء على حركة حماس وبنيتها التحتية وترسانة أسلحتها. 
ظل «سحق» الفلسطينيين عقيدة ثابتة في العقلية الحربية الإسرائيلية. حتى في 2003 و2004 عندما كان الجيش الإسرائيلي يعيث خراباً في الضفة الغربية ويحاصر الرئيس الراحل ياسر عرفات في مقره بالمقاطعة، لم يكن قادة إسرائيل يجدون ضيراً في الكلام عن «اجتثاث» السلطة الوطنية الفلسطينية. 
اليوم تغيّر الواقع والظروف فأصبح هناك تمييز إسرائيلي واضح بين حماس والأنفاق، مثلما هو موضح في تبرير المسؤولين الإسرائيليين للعدوان البري الحالي على القطاع بهمجيته التي تستعصي على الوصف.
لم يحدث هذا التطور حبًّا في حماس، فهي لا تزال حركة «إرهابية» ممقوتة، من وجهة نظر إسرائيلية. ولا هو ثمرة تطور فكر سياسي أو عسكري لدى الإسرائيليين، لأن العلاقة بين حماس وإسرائيل منذ 2007، ومن قبل، لم تعرف ما يستحق تطوراً في الفكر السياسي والعسكري. بل هو استجابة طبيعية لتطورات بعيدة جغرافياً عن إسرائيل وقطاع غزة. إنه بروز «غول» إسمه المتشددون الإسلاميون بمختلف عناوينهم وماركاتهم. ولعل آخر هذه الماركات: دولة الخلافة الإسلامية، وعاصمتها الموصل.
من تجربة غرب العراق وسقوط مدنه وقراه الواحدة تلو الأخرى، وتجربة شمال سوريا وهيمنة المتشددين على جغرافيته، كان يجب أن تتعلم اسرائيلدرساً هاما، وتدرك أن لا شيء يمنع تكرار التجربتين في قطاع غزة. تكرار تجربتي العراق وسوريا في غزة يعني للإسرائيليين، أولاً والمنطقة ثانيا، نصف قرن آخر من عدم الاستقرار وغياب الشعور بالأمان، وربما الحرب (أقول «ربما» لأن هذه الفصائل التي تمارس الإرهاب في حق المسلمين العزّل لم تثبت أن لديها مشكلة مع إسرائيل على الرغم من كل جرائم الأخيرة في غزة).
قطاع غزة بما فيه من اكتظاظ ديموغرافي وما يعيشه سكانه من إحباط ويأس وفقر وحاجة وحرمان وغضب على دول العالم وشعور بالظلم والإهمال والعجز، يشكل أرضية مثالية لتكرار تجربة شمال سوريا وغرب العراق إذا ما غامرت إسرائيل بخلق فراغ مؤسساتي وأمني فيه.
لكل هذه الأسباب لن تجرؤ إسرائيل على تدمير حماس، على فرض أنها تستطيع، لأن البديل واحد وجاهز: داعش. 
قبل عشر سنوات، وعندما اختارت إسرائيل التخلص من عرفات وأمعنت في إذلال السلطة الفلسطينية، وجدت نفسها وجها لوجه أمام حماس. اليوم، إن غامرت بالتخلص من حماس، ونجحت، ستجد نفسها وجها لوجه أمام داعش، وفي زمن قياسي.
لا يختلف الأمر في الجهة المقابلة، مصر، الفك الثاني للكماشة الساهرة على خنق قطاع غزة. القاهرة هي الأخرى لا تريد انتهاء حماس. والسبب نفسه. يجب أن تكون القناعة في القاهرة اليوم هي أن حماس ستبقى أفضل الخيارات لنظام الحكم المصري. فالقاهرة لديها أصلا بؤرة توتر في شبه جزيرة سيناء ليس أسهل على من يتحركون فيها من متشددين، من مدّ جغرافيتهم باتجاه قطاع غزة. لن تثنيهم الأنفاق المدمرة والمعابر المغلقة والدوريات على الحدود. 
بالنسبة للقاهرة، انتشار الفصائل المتشددة امتدادا بين غزة وسيناء لن يختلف كثيرا عن انتشار «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الممتد بين شمال سوريا وغرب العراق.
لا يحتاج الأمر إلى جيش فتاك، بضعة مئات من المقاتلين المجانين في تلك الصحاري سينكّدون عيش مصر طويلا. 
مصر تدرك، مثل إسرائيل، أن حماس ليست ميليشيا تسللت إلى القطاع خلسة، بل هي جزء من نسيج اجتماعي وديموغرافي وسياسي يجعل أي كلام عن اجتثاثه أضحوكة.
لذا تتمنى القاهرة إضعاف حماس وكسر شوكتها عسكريا ولوجيستيا، ثم احتواءها سياسيا إن استطاعت فتستعيد احتكار ملفها إقليميا ودوليا، كما كانت في السابق.
ربما ستحاول التفكير مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية في إيجاد بدائل لقيادات حماس الحالية، تكون أقل تمرسًا يسهل توجيهها والتحكم فيها. هذا أقصى المتاح اليوم. أما المنطق والعقل فيقولان إن لا فائدة للقاهرة في انتهاء حماس، بل الضرر كله سيكون في انتظارها. ويقولان إن الذين يصرخون ليلا ونهارا أن حماس إرهابية، سيذوقون الإرهاب الحقيقي ويرون الإرهابيين الحقيقيين إذا ما جاءهم داعش.
وعليه يجب أن تتوقف الحملة المسعورة التي يشنها أشخاص يعملون في محطات تلفزيونية وصحف بلغ بهم الخيال والجنون مبلغاً، وأصبحت لهم مواسم يوزعون فيها سعارهم على الناس (هذه المرة دور غزة وحماس). 
ولو قدّر الله وظهر «فرع» لـ»داعش» في غزة يوما، بحماس أو بدونها، ولقي الترحيب، لا أحد يحق له اللوم وإعطاء الدروس، لأن ذلك سيكون أقل المنتظر، ومتأخراً. 
كذلك، لا يمكن أن تمارس إسرائيل ومصر كل هذا الحصار والتجويع على سكان القطاع، ثم تنتظران حباً ومكافأة بالمقابل. 
في الأثر قالوا:على من يزرع الريح أن يستعد لجني العاصفة.

٭ كاتب صحافي جزائري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق