بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 23 أغسطس 2014

لماذا أضاعت حماس مكاسبها؟عادل درويش

حيرة في تفسير انهيار مفاوضات القاهرة حول هدنة دائمة في غزة حينما بدت حماس على وشك إحراز مكاسب غير متوقعة.
بينما توقع الجميع مدّ هدنة الأيام الثمانية - الأطول منذ بدأ القتال - انطلقت الصواريخ من غزة إلى إسرائيل فسحبت مفاوضيها من القاهرة، وأغارت على بيت محمد الضيف، أحد زعماء حماس العسكريين (سقطت زوجته وطفلاه ضحايا) وأمطرت حماس إسرائيل بوابل من الصواريخ وتوعّدها أبو عبيدة، المتحدث الرسمي لحماس بالمزيد، وصعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من تهديداته الكلامية. يوم الخميس الماضي قتلت الغارات الإسرائيلية ثلاثة من كبار قادة حماس الميدانيين ماتت معهم فرصة الهدنة الدائمة التي كانت قبل ثلاثة أيام بين أصابع المفاوضين.
صواريخ حماس أجهزت على المفاوضات، بينما كانت على وشك تحقيق نصر دبلوماسي في القاهرة التي دخلت مفاوضاتها من موقف ضعيف، بفقدان التأييد الشعبي في البلدان العربية (كانت حماس رفضت المبادرة المصرية وعدد الضحايا في الجانبين لم يتجاوز العشرات).
في نهاية اليوم الثالث من المفاوضات كان الإسرائيليون قبلوا مطلب حماس بتوسيع المساحة البحرية لمراكب الصيد الفلسطينية التي أبحرت ونشط صيادوها خمسة أيام، وظهرت الأسماك الطازجة في أسواق غزة.
وحسب ثلاثة مصادر مختلفة (مصرية، وإسرائيلية وفلسطينية) أحرزت المفاوضات حول فتح ميناء غزة ومطارها تقدما.. «ووضعت نسخ خرائط الميناء والمطار على موائد المفاوضات لمناقشة التفاصيل»، حسب مسؤول أمني رفيع المستوى أدار المفاوضات.
ويتساءل دبلوماسي بريطاني خبير بالمنطقة عن إضاعة حماس للفرصة بعد كسبها معركة البروباغندا بتركيز الصحافة والتلفزيونات الغربية على الضحايا، وخصوصا الأطفال في غزة؛ ولم يضع المراسلون الغربيون زعماء حماس تحت ضغط يذكر، فلم يسألوهم مباشرة عن وضعهم منصات إطلاق الصواريخ بين المدنيين، أو منعهم المدنيين من مغادرة مبانٍ حذرهم الإسرائيليون - برسائل على الهواتف الجوالة بضرورة إخلائها قبل الغارات. ويضيف الدبلوماسي، أن أداء المراسلين الغربيين خلق تعاطفا في الرأي العام مع حماس وإدانة إسرائيل في مظاهرات عمّت معظم عواصم الغرب.
وبلغت العلاقة الإسرائيلية - الأميركية أدنى حد منذ 1999، وأبدى نتنياهو مرونة فيما تشدد فيه قبل أسابيع، فلماذا أضاعت حماس الفرصة، قبل تحول كاميرات الاهتمام العالمي من غزة إلى العراق مع تقدم «داعش» وظهور مشكلة إنسانية بوجود آلاف اللاجئين الإيزيديين والمسيحيين؟

المرونة غير المتوقعة التي أبداها نتنياهو خلال مفاوضات الأسبوع الماضي في القاهرة تعود إلى ضغوط مصرية ومن أطراف حكيمة داخل إسرائيل لقبول ما كان يرفضه قبل أربعة أشهر: حكومة وحدة وطنية فلسطينية كأفضل خيار لتجنب حرب أخرى في غزة بشرط أن تلتزم حماس بدور السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس في حكم القطاع.

ويقول دبلوماسي إسرائيلي، إن نتنياهو يعلم بأن حماس لن تتوقف عن إطلاق الصواريخ إلا إذا قتل كل قياداتها، وهو غير واقعي، والبديل التعامل مع حكومة فلسطينية موحدة، ولذا قبل الاقتراح المصري لتجنب استمرار المعركة مع حماس إلى فترة طويلة لم تعتدها إسرائيل، وهو ما سيضعف علاقتها الدبلوماسية مع العالم الخارجي، ويعرّضها لضغوط من واشنطن ويهز من موقفه داخليا؛ إذ ستلومه الصحافة والرأي العام في تدهور الوضع الدبلوماسي العالمي لإسرائيل، ويذكر نتنياهو كيف أدّى خلافه علنيا مع إدارة كلينتون في نهاية التسعينات إلى تدهور شعبيته وخسارته الانتخابات لصالح إيهود باراك.

اللغز الآخر هو تصريحات منظمة التحرير الفلسطينية، والتي تعلم أن الصواريخ التي أطلقت من غزة هي التي أجهزت على الهدنة والمفاوضات، وبدلا من إقناع حماس بعدم التصعيد، فإنها اتهمت إسرائيل بفبركة الأمر (أي بإطلاق صواريخ على نفسها) بحجة أن «أحدا لم يعلن مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ»، مما أفقد المنظمة المصداقية لدى الأطراف الإسرائيلية المتعاطفة معها، سواء من أجل السلام أو خصومةً مع نتنياهو.

تفاصيل محادثات محمود عباس مع زعيم حماس خالد مشعل، في محل إقامة الأخير بالدوحة، لا تزال غير معلنة، لكن حسب ما دار في القاهرة يفترض أن رسالة عباس، باسم بقية الفصائل الفلسطينية، هي أن تقوية التلاحم بين كل الأجنحة، واستمرار حكومة الوحدة الوطنية، يجب أن يكونا دائما وليس فقط في مرحلة التفاوض مع الجانب الإسرائيلي في القاهرة (لم نستطع الحصول على تفاصيل اللقاء وما إذا كان الجانبان بحثا اتفاقا ملزما حول دور السلطة الوطنية في غزة، وخصوصا أن انقلاب حماس على الإدارة الفلسطينية قبل سنوات والاعتداء على مسؤوليها كان السبب الرئيسي في إغلاق المعابر وفرض القيود على ميناء غزة).

ويختلف التقدير بين المحللين الإسرائيليين والغربيين. الغربيون يرون أن المنطق العملي سيدفع حماس إلى قبول الأفضل بعودة السلطة الوطنية إلى غزة، مما يسهّل فتح المعابر وإعادة تشغيل المطار والميناء ورواج التجارة. المحللون الإسرائيليون أكثر تشاؤما، فهم يرون أن مصرع عدد من قادة حماس في الغارات الإسرائيلية سيدفع بصعود قادة متشددين متحمّسين تنقصهم الخبرة فيضيعون الفرصة.

وحسب مصادر خليجية ودبلوماسيين غربيين في الخليج، فإن قطر (البلد الوحيد بجانب تركيا الذي يرعى ويدعم الإخوان المسلمين، التي أعلن القضاء المصري وقضاء الإمارات أنهم تنظيم إرهابي، كما ترى البلدان الأخرى كالكويت والمملكة العربية السعودية والأردن، وغيرها، أن الجماعة مسؤولة عن كثير من النشاط التخريبي للمجموعات الإرهابية والتكفيرية) رغم استضافتها لزعماء حماس ورعايتها، كانت غائبة عن أي نشاط إيجابي للتوسط لوقف إطلاق النار في غزة وإنقاذ آلاف الأرواح.

أراد زعيم حماس خالد مشعل من الدوحة إضافة فتح معبر رفح إلى مطالب المفاوضات الحالية، وهو ما ترفضه القاهرة، حسب مصادر أشرفت على المباحثات (المعابر بين إسرائيل وغزة قانونيا داخلية لا تتطلب تأشيرة دخول لأن غزة جزء من فلسطين الجغرافية، أما رفح فهي حدود دولية يتطلب عبورها تأشيرات على جواز السفر وإخضاع البضائع لتعريفات جمركية، وأي مباحثات بشأن رفح تكون بين مصر وحكومة فلسطينية تعترف بها القاهرة، والأمم المتحدة وأي إدارة فلسطينية برئاسة محمود عباس وليس حماس أو إسرائيل).

وحسب المصادر نفسها، فإن تركيا التي تريد إقحام نفسها كطرف في الصراع العربي - الإسرائيلي، تراجعت في الأيام الأخيرة لتركز على سياسات داخلية، بينما تحاول قطر أن تظهر نفسها كبديل عن القاهرة.. «لكنها لم تقدم مبادرات للتهدئة أو إطارا واقعيا للتفاوض بين الجانبين»، حسب قول دبلوماسي غربي كبير في عاصمة خليجية. وأضاف متسائلا: «هل بالفعل، كما نشرت بعض الصحف، ضغطت قطر على مشعل كي لا تمد حماس الهدنة؟»، وكانت نبرة صوته في طرح السؤال كمن يعرف الإجابة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق