بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 3 أغسطس 2014

الآثار المالية لانضمام كركوك إلى كردستان العراق - ذكاء مخلص الخالدي

بعد التطورات السياسية التي حصلت أخيراً في العراق عندما سقطت الموصل بيد بعض الجهات الخارجة عن الحكومة وتطور الأحداث بعدها ليخرج الجيش العراقي من كركوك وتأخذ محله قوات البيشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان، أعلنت الأخيرة أن مدينة كركوك التي كانت منطقة متنازع عليها بينها وبين الحكومة المركزية في بغداد، لم تعد كذلك وإنما أصبحت جزءاً من الإقليم ولا عودة إلى الوراء. وباستبعاد العوامل الجغرافية والسكانية والسياسية التي تدعم مطالبة الإقليم بمدينة كركوك أو تناقصها لأنها خارج نطاق هذه الورقة، سنقتصر على مناقشة الآثار المالية لخروج كركوك عن سيطرة الحكومة المركزية كونها إحدى المدن المهمة في إنتاج النفط وتصديره.
لا يزال العراق يعتمد اعتماداً كلياً على النفط في الصادرات وفي إجمالي الناتج المحلي وفي إيرادات الموازنة العامة. ففي تقديرات موازنة 2014، والتي لم تُقر بعد، مثلت عائدات النفط أكثر من 90 في المئة من مجموع الإيرادات. وأعلنت وكالة الطاقة الدولية إن إنتاج العراق من النفط بلغ 3.6 مليون برميل يومياً في شباط (فبراير) 2014، وهو مستوى غير اعتيادي وإذا استمر تحسن إنتاج النفط بهذه الطريقة قد يصل العراق إلى الهدف الذي يسعى إليه وهو معدل 3.4 مليون برميل يومياً.
وينتج العراق حالياً 3.5 مليون برميل يومياً ويصدر 2.8 مليون برميل يومياً، وهي زيــادة كبيرة لم تتحقق خلال السنوات الـ 25 الماضية.
ويحتل العراق حالياً المرتبة الثانية بعد السعودية من بين دول «أوبك» في الإنتاج. ويصدر 2.2 مليون برميل يومياً من حقول الجنوب و400 ألف برميل يومياً من حقول كركوك.
وتعتبر الأخيرة واحدة من ثلاثة حقول عملاقة في العراق. لكن المناطق الشرقية والجنوبية من العراق لا تزال الأغنى. فكل حقول النفط العملاقة والعملاقة جداً تقع في الجنوب ويوجد فيها 70 - 80 في المئة من احتياط النفط العراقي المؤكد بينما يقع 20 في المئة في كركوك والموصل وخانقين.
وفي الدستور العراقي الجديد تنص المادة 112 على إعطاء 17 في المئة من عائدات النفط إلى إقليم كردستان على أساس عدد السكان فيها نسبة إلى مجموع سكان العراق. لكن الخلافات بين الإقليم والحكومة المركزية كبيرة بخصوص كيفية توزيع موارد النفط. ففيما يعتقد البعض أن حصول الإقليم على هذه النسبة الكبيرة من عائدات نفط العراق ساعدت كثيراً في نهضته الاقتصادية والعمرانية الحالية، يدّعي المعنيون بالإقليم بأن الحكومة المركزية لا تفي بالتزاماتها في هذا المجال. وأفاد وزير الموارد الطبيعية في الإقليم آشتي هورامي بأن الحكومة المركزية عندما أعدت الموازنة العامة لعام 2014 افترضت أن الإقليم يصدر 400 ألف برميل يومياً على الأقل لكن الرقم لم يكن صحيحاً وأُدخِل إلى الموازنة من دون عقد محادثات مع مسؤولي الإقليم. وذكر هورامي أن موازنة 2013 تنص على أن يستلم الإقليم ستة بلايين دولار، لكنه لم يستلم إلاّ 900 مليون دولار الأمر الذي اضطر الإقليم إلى الاقتراض محلياً ودولياً.
أما المعنيون في الحكومة المركزية فيصرحون بأن الإقليم ينتج النفط ويصدره من دون العودة إليها وهو خلاف ما ينص عليه الدستور. وكان الإقليم سابقاً يصدر النفط المنتج عبر الصهاريج إلى تركيا وكانت الحكومة الاتحادية تعتبره نوعاً من التهريب، أما الآن وبعد بناء خط أنابيب جديد من شمال العراق إلى ميناء جيهان في تركيا، أصبح التصدير يجري بواسطة الخط. ووقعت تركيا مع الإقليم اتفاقاً لتصدير نفط الإقليم لمدة 50 عاماً. ولدى الإقليم احتياط مؤكد مقداره 45 بليون برميل مع تزايد سريع في الطاقة الإنتاجية التي يتوقع لها أن تصل إلى مليون برميل يومياً في 2015 مقابل 400 ألف برميل حالياً.
وتقوم شركة تركية يديرها القطاع العام ببيع النفط من منطقة كردستان وتضع حصيلة التصدير في مصارف أجنبية. وقدمت حكومة بغداد شكوى ضد تركيا لدى غرفة التجارة العالمية في باريس لأنها تسهل تصدير النفط من كردستان من دون أي تخويل من الحكومة الاتحادية في بغداد كما ينص الدستور. وصرح هورامي بعد الإعلان عن ضم كركوك إلى الإقليم بأن الإقليم يأمل بزيادة صادراته من النفط بمقدار ثمانية أضعاف نهاية 2015 لكنه أكد بأن الإقليم يلتزم بمشاركة عائدات نفط كركوك مع الحكومة الاتحادية.
ولا بد من الإشارة إلى أن الخلافات بين الحكومة الاتحادية والإقليم حول النفط تقع من ضمن نطاق واسع من الخلافات حول الأرض ومدى استقلالية الإقليم والنفوذ السياسي. وعلى رغم أن الحكومة الاتحادية تستثمر حالياً بكثافة في حقول جنوب العراق التي تأمل بأن ترفع من قدرات العراق الإنتاجية بدرجة كبيرة في المستقبل المنظور لكن الأمر غير ذلك، فإذا لم تحل مشكلة سيطرة قوات البيشمركة على مدينة كركوك بالمفاوضات وأبقت حكومة الإقليم عائدات كركوك لديها، على الحكومة الاتحادية إعادة النظر في الموازنة وتعديل نفقاتها بموجب النقص الذي يسببه انقطاع إيرادات تصدير نفط كركوك أو توقفها، أو تبقي النفقات على حالها وتبحث عن إيرادات من مصادر أخرى أو تزيد حجم العجز في الموازنة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق