بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 7 أغسطس 2014

لا حاجة لدموعكم وإنما لأن تتعلموا د.علي محمد فخرو

لا يحتاج شعب غزة العربي إلى دموع العرب، إذ لديه أنهار من دموع أصحاب الضمائر والقلوب المتعاطفة، تدفقت غزيرة من مئات عواصم وبلدان العالم أجمع.
ما يتمناه شعب غزة العربي هو أن يتعلم اخوته من شعوب الأمة العربية جمعاء بعضا من دروس بطولاته وتضحياته وصموده الاسطوري في وجه أبشع وأحقر وأقسى آلة حربية عرفتها البشرية، آلة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين المحتلة، المدعومة بشكل مخجل مجنون انتهازي بآلة حربية وسياسية أمريكية لم تتوان كل أنظمة حكمها، عبر ستين سنة، عن ارتكاب كل الجرائم الشيطانية بحق شعب فلسطين كله لإبقائه في محنه وعذاباته وغربته بعيدا عن أرضه المغتصبة وتاريخه المتلاعب به تزويرا وتدليسا.
أول هذه الدروس هو الوصول إلى الاقتناع بأن الحدود التي توضع بين الحياة والموت هي حدود وهمية. فهناك أناس يأكلون ويلعبون ويمرحون، وهم في الواقع أموات بموت ضمائرهم وكبريائهم وأحاسيس الالتزام الإنساني فيهم تجاه الآخرين. وهناك أناس فنيت أجسادهم، لكنهم موجودون في ساحات النضال والحروب والفداء من أجل المثل والعدالة والحقوق ومقاومة الظلم.
أهل غزة فضلوا موت الجسد على انكسار الروح ، وسيبقون أحياءَ في تلك الساحات عبر القرون وفي أرجاء المعمورة.
ثاني هذه الدروس هو رفض التعلق بالرجاء والأمل، إذا كانا سيأتيان من حقارات الآخرين. ثلاثون يوما وهم يشاهدون السقوط الاخلاقي والسياسي والعسكري والإنساني لمن ظنوا، وآه من أحلام وفواجع الظنون، بأنهم أهلوهم وذووهم، لكن ذلك السقوط التاريخي المخجل لم يُدخل اليأس ولا الخوف ولا التراجع في قلوب شباب وشابات غزة. فالأمة التي خذلت شبابها وشاباتها في تطلعهم نحو الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة ما عادت تنبض فيها الحياة لتكون مصدر أمل ورجاء. لقد تعرى عجزها يوم بصق البعض على دماء شبابها وشاباتها الطاهرة، ويوم أصم البعض أسماعهم عن سماع أنينهم في زنزانات السجون وطرقات المنافي، ويوم أعرض البعض عن النظر إلى وجوههم البريئة الحزينة وهم يحاكمون من على منابر إعلام عربي باع روحه للشيطان، وفي قاعات محاكم جلس على منصاتها قضاة مرتشون. ولذلك لم تيأس روح غزة ولم تضعف عزيمتها عندما ران صمت القبورعلى الأرض العربية، ونعقت أصوات الشماتة وتآمرت هذه الحكومة أو تلك وأنزلت أبواق اللؤم الإعلامي الصراع الوجودي مع الصهيونية إلى مستوى أعمال العنف في غزة، وتثاءب الوجدان العروبي، ثم نام. فالأمل الغزاوي تفجر من ينابيع الداخل، ولم يتعلق بسخافات وألاعيب الخارج، مثلما يفعل الآخرون كل يوم وهم يقفون وقفة الذل أمام أبواب واشنطن وغيرها من عواصم الكذب والانحناء للمال الصهيوني. وثالث الدروس هو التضحية بمباهج ورفاهيات الحياة، من أجل تحصين الذات المقاومة المحاربة. عبر سنين طويلة ضحى الغزاويون بمأكلهم ولباسهم وراحتهم ليحفروا الأنفاق ويصنعوا ما يمكن صنعه للدفاع عن أنفسهم، وليوجعوا عدوهم وليستروا عورات جيوش وحكومات وأحزاب ومليارات أمتهم، هذا بينما كان الآخرون يبعثرون مال الأمة الوفير للتباهي في ما بينهم حول من يشتري أفخم متجر في هذه العاصمة أو تلك، أو من يخرج هذه الشركة الأجنبية أو تلك من عثراتها، أو من يبني أكبر أو أعلى أو أفخم مجمع استهلاكي تبنيه وتستفيد منه وتربح خيراته هذه الجهة أو الشركة الأجنبية أو تلك. لقد تم كل ذلك على حساب بناء استعداد الأمة للذود عن استقلالها ولتطهير أرضها من جيوش الاحتلال ولإخراج نفسها من تخلفها التاريخي في كل مناحي الحياة، ولكسب احترام الآخرين الذين لا يرون فيها إلا أمة العبث وقلة الحيلة.
ورابع الدروس هو أن الحياة لا تتطهر إلا من خلال من يعتبرهم الجبناء مغامرين ويعتبرهم الكسالى المستسلمون مشاغبين ومتعبين، ومن يعتبرهم من لا يرون في الحياة إلا المتع والغرائز العابرة حالمين عابثين. لكن التاريخ البشري يقف في هذا الدرس المتوهج مع غزة وليس مع الذين خذلوها وتآمروا عليها. غزة في التاريخ علمت الدروس الكثيرة وفي الحاضر تعاود إلقاء الدروس. وهي لا ترجو أكثر من أن لا يكون تلاميذها من البلداء أو الكسالى أو الحمقى اللاهين.
يا أمتي، غزة لا تحتاج لدموعك ولكن تحتاج بكبرياء البطولة أن تستوعبي معاني وسمو وألق دروسها.

٭ كاتب بحريني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق