بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 6 أغسطس 2014

الفلسطينيون «الجدد»… وداعا للإرتجال والعشوائية - بسام البدارين

بدون شك وبعيدا عن كل الحسابات السياسية نقف بإجلال وتقدير لأصغر طفل فلسطيني دفع بدلا من الأمة العربية حياته أو دمه ثمنا لكرامة مفقودة هدرت مجددا في العدوان الأخير على قطاع غزة أولا بفعل التواطؤ العربي وثانيا بفعل العدو الهمجي البربري الذي إرتكب هولوكوست العصر الحديث ضد الأطفال والنساء والحجر والشجر في غزة.
ما كان للعدو الصهيوني أن يسترسل في تلك البريرية التي عكست حقيقته لولا – اولا تواطؤ واضح ومباشر فاضح للعديد من الدول في النظام العربي الرسمي وثانيا لولا البروز الحاد لظاهرة «الفلسطيني الجديد».
إختصر البروفسور الصادق الوطني الدكتور عبد الستار قاسم تلك المسافة الواعية الفاصلة بين الماضي والحاضر ورسم ملامح المستقبل عندما تحدث عن «الفلسطيني الجديد» مشيرا لأن الفلسطيني «العشوائي « والإرتجالي لم يعد موجودا.
بطبيعة الحال ما كان من الممكن لا للدكتور قاسم ولا لغيره أن يسجل مثل هذه الملاحظة المهمة اليوم لولا الصمود الأسطوري للأهل في قطاع غزة ولولا الأداء رفيع المستوى للمقاومة والذي أدى في نتيجته الأولى إلى حقيقة جديدة تهزم الأسطورة التي خدعتنا جميعا وقوامها أن جيش الدفاع الإسرائيل لم يعد ذلك الجيش الذي لا يقهر.
وأن إسرائيل في حال توفر الإرادة والرغبة في الصمود يمكن خدشها وتخليصها من متلازمة» أرخص إحتلال في التاريخ» التي يرددها الرئيس محمود عباس دون أن يفعل شيئا صغيرا من جانبه لمعادتها أو تبديديها.
بالتأكيد مقاومة الشرفاء في غزة غيرت صورة الفلسطيني الضعيف المستكين وأعادت إحياء صورة المناضل الشرس الذي يخطط وينفذ ويتميز بالقدرة على التخطيط والتكتيك بعيدا عن الإعتباط والعشوائية خصوصا في مواجهة العدو الإسرائيلي.
المقاومة الفلسطينية في غزة إشتغلت في ظل ظرف معقد للغاية عملياتيا كما نفهم من الصديق المحلل العسكري البارز الدكتور فايز الدويري فالتاريخ من حيث عدالة القوة وصلابة الأداء والفكرة مع المقاتل الفلسطيني لكن الجغرافيا ظلمته للغاية.
اليوم يتحدث العالم بإعجاب عن «صناعة التسليح» لدى المقاومة الفلسطينية ضمن إمكانات بدائية وظروف معقدة وفي ظل الحصار .
شباب غزة وبعضهم مهندسون تلقوا العلم في الخارج والداخل تمكنوا من صناعة صواريخ محلية الصنع أو حتى تجميعها وزيادة مداها ليصل إلى 160 كيلومترا بعدما بدأت كتائب القسام بأربعة كيلومترات فقط.
هذه الصواريخ ليست عبثية إطلاقا الأن لأن الهدف منها لم يكن قتل مدنيين إسرائيليين ولها أهداف عميقة في البعدين السياسي والتعبوي وكذلك في البعد الإقتصادي بحيث تتطلب الآن عملية إدامة الدعم لإسرائيل فتح خزانة ضرائب المواطن الأمريكي على مصراعيها لخدمة نوايا عدوانية في دولة إرهابية تعتمد في مجازرها على خرافات لم يعد من الممكن تسويقها في عالم اليوم.
شباب غزة وبإمكانات لا يمكن ذكرها صنعوا طائرات بدون طيار بدائية تعجز عن صنعها اعتى الجيوش العربية التي تربت على عقيدة قمع الناس والهجوم على الشقيق والجار وعلى أساس التفوق الإسرائيلي العسكري الدائم.
كما صنعوا ذخائر محلية حسب خبراء من أهل القطاع وتمكنوا من الإستفادة من المعادن المصهورة والمواد المتفجرة في عبوات القنابل الحممية التي تلقيها إسرائيل ولا تنفجر.
«المواسير» على حد تعبير صديق يؤيد الإنقلاب في مصر لم تعد مجرد مواسير معدنية فقد تحولت إلى بندقية قنص مخيفة إسمها «الغول» على أيدي رجال المقاومة.
مهم أيضا ملاحظة ورصد الإنتقائية الرفيعة وقواعد الإشتباك المنتجة في الميدان مع العدو وتحديد الأهداف بدقة والقدرة على تجنب الأسهل وهو «المدنيين» وطاقة الصبر والإحتمال والعمل ضمان سياقات تكتيكية غير إرتجالية وتقاسم الأدوار وإختيار توقيت العمليات والأسلحة الأفضل لها.
لا ننسى بطبيعة الحال عبقرية الإنزالات خلف خطوط العدو من بطن الأرض وحفر الخنادق… قدم شباب المقاومة في غزة لنا امثلة حيوية على نجاحهم وقدرتهم على إيذاء العدو وحتى إرهابه فبسبب كتائب القسام سمعنا نحن العرب ولأول مرة جنديا إسرائيليا مسلحا وهو يصرخ رعبا داخل معسكره وبرجه المحصن في هجوم سايكولوجي منظم ومصور وفي مشهد لم تحتفظ ذاكرتنا بمثلة إطلاقا فنحن لعقود نسمع أصوات شعوبنا وهي تترنح وتشتكي من ضربات العدو الإسرائيلي.
السؤال الآن: إذا كان شباب غزة قد قدموا لنا كل هذه الأدلة على قدرة المقاومة في مجال رفع كلفة الإحتلال على الأقل فما الذي يمكن ان يحصل في الضفة الغربية لو حصلت «إستعارة» جماعية شعبية للنموذج الغزي؟..الضفة الغربية في وضع جغرافي وسكاني أفضل وبالتأكيد لو تحركت من الأن في إطار تكتيك المقاومة – أزعم بأنها ستفعل عاجلا أم آجلا- لتغيرت الكثير من المعطيات ولهذا السبب بصورة محددة تسعى بعض الأنظمة العربية وعلى رأسها النظام المصري لسحق المقاومة وتبديد توازن الرعب ويسعى القوم للتآمر مجددا على الشعب الفلسطيني عبر الإصرار مجددا على نغمة «عبثية كل ما حصل».
في الأثناء رأينا كيف تخفق عواصم الغرب في «تطويع وتدجين» اولادها من الفلسطينيين حيث أعرف شخصيا بعض النشطاء الشباب في أمريكا وأوروبا قدموا مساهمة فعالة جدا في تحويل أزقة وشوارع مدن عالمية كبرى إلى شوارع تتحدث «فلسطيني» وتعيد مع أصدقائهم وأصحاب الضمير او ما تبقى منهم تذكير العالم بمجازر إسرائيل.
أعرف العشرات من الفلسطينيين الشباب الصغار في الأردن والمغرب وألمانيا وكندا وغيرها من الدول الذين رفضوا طريقة الاجيال التي سبقتهم في الإستكانة والإستسلام للبكاء والعويل والتحسر فقرروا فعل أشياء محددة من اجل التصدي للعدوان بدلا من الإكتفاء بلعن الظلام. في السياق الأخير تحديدا شكلت قوائم للمقاومة الإلكترونية وإخترقت إلكترونيا مؤسسات إسرائيلية ونظمت تظاهرات وحملات مقاطعة وجمعت تبرعت ووثقت صور المجازر وجمعت وثائق الإعتداء والحرب .
أقف مبكرا بعد أسطورة غزة مع الرأي القائل بأن الإنسان الفلسطيني يتغير الآن ويغادر العفوية والعشوائية وسيتجاوز كل عقد الماضي التي ساهمت في تمكين إسرائيل .
ما قبلناه نحن الأباء وقبلنا الأجداد من الواضح أن اولادنا قرروا ان لا يقبلوه أو سيرفضون قبوله فعدد الفلسطينيين في العالم يزيد عن 11 مليون إنسان وأحفاد المهاجرين الأوائل في تشيلي والبرازيل وامريكا اللاتينية الذين ولدوا هناك في الأرض الغريبة هم الذين شكلوا ثقلا إعلاميا وسياسيا وإنتخابيا دفع بعض الحكومات لسحب سفراء إسرائيل .
المعنى ان الفتية حتى في أمريكا اللاتينية من الذين هاجر اجدادهم وولدوا مع آبائهم في تلك البلدان لم تسقط فلسطين من حساباتهم وهذا «نبأ سار» في كل الأحوال يعيد إنتاج مباديء الصراع ما دام الهمجي الإسرائيلي يقتل العدد الأكبر من أطفال فلسطين بمعنى يستهدف مستقبل الوطن الفلسطيني.
الفلسطينيون الجدد اليوم تم تعميدهم من خلال إبداعات المقاومة على أرض غزة التي دفعت الثمن الأكبر وهم منتشرون في كل مكان والذهنيات التي تعيقهم ستذهب الى اضيق واسوأ سطر في كتب التاريخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق