بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 26 أغسطس 2014

في مصر… السخرية أسلوب حياة وحكم عبير ياسين

يُعرف عن الشعب المصري حبه للنكتة وإنتاجها، وفقا لسياق اللحظة والمرحلة. ووسط صور الكوميديا المتعددة، وليس كجزء منها بالضرورة، يمكن أن يعمد الشخص إلى السخرية من غيره عبر استخدام مقولات سابقة للشخص نفسه للتعليق على حدث قائم، على طريقة أن البيوت من زجاج ولا يجب استخدام الطوب من البداية. وضع يوجد بصور مختلفة ويجمع بين السخرية والنقد، وقد يتطور إلى غضب وصدام أحيانا. أسلوب يظهر على هامش التعامل المصري الرسمي مع الأحداث التى شهدتها مدينة فيرغسون بولاية ميزوري الأمريكية، بداية من بيان وزارة الخارجية الخاص بضبط النفس، مرورا بحديث الداخلية عن نصائح التعامل مع المتظاهرين، بالإضافة للعديد من التعليقات عن أثر البيان على الولايات المتحدة وديمقراطيتها وحكم الرئيس أوباما، وهي المقولات التي يصعب فصل الجاد فيها من الساخر. 
بدورها أكدت وسائل إعلام غربية على ما رأته من سخرية في التعليق المصري، أما من أراد التعامل معه بالمنطق، فقد طالب القاهرة بالنظر في المرآه مع الإشارة للفروق القائمة بين البلدين في مجال حقوق الانسان والحريات والقوانين التي تحاسب في حالة حدوث انتهاكات. ورغم هذا وجدنا من يضخم تلك الردود ويرى فيها رسائل إيجابية لقدرتها - وفقا لهم- على احتلال جزء من النقاش الغربي أو الحصول على المكانة الأولى في بعض وسائل الإعلام. كما أشاد البعض بالتعليقات الغربية التي رأت في موقفالقاهرة مزحة ثقيلة بوصفها تأكيدا على تغير واستقلالية ما في الموقف المصري.
وإن كان تعامل القاهرة ساخرا وفقا للبعض، فإن بعض التعليقات الغربية ساخرة ومريرة، لأنها تذكر من ينسى بضرورة النظر للواقع وما نعايشه في الحاضر، حيث نعايش الحدث على هامش ذكرى رابعة، والجدل المستمر حول قانون التظاهر وبدء إضراب عدد من السجناء عن الطعام لهذا السبب. نعايشه ولدينا من حبس لحيازته مسطرة عليها شعار رابعة مثلا. ونعايشه ونحن نعرف من خبرة سنوات الثورة وما قبلها، أن لا أحد يحاسب في العادة على فعل الظلم ضد المواطن، ما دام الفعل يتم من قبل الأجهزة المفترض فيها أن تحميه.
ورغم انتقادات البعض للموقف المصري وما أنتجه من جدل في وقت تتعرض فيه بالفعل لانتقادات متعددة، يمكن القول ان المستهدف من خطاب الخارج هو الداخل. فالأسلوب المتبع الذي يبدو سلوكا شعبيا يحظى أحيانا بالتبجيل، يساعد ومن خلال آليات تسويق معينة على منح نقاط إضافية للبطل في المشهد القائم. وبدلا من أن تكون السخرية شخصية أصبحت حالة عامة، وبدلا من أن تقتصر على الأفراد تتحول إلى أداة في السياسة الخارجية، على طريقة أننا لا نحب من يسمع ويرى ويتكلم عن مشاكلنا، ومن يفعل لن نتورع عن الرد عليه بأسلحة ثقيلة من الممكن أن تميت ضحكا.
وتتحول كل الكلمات التي يفترض أن تثير التفكير في الأوضاع القائمة إلى وسيلة لتأكيد مقولات كبرى ورثتها المنطقة من سياق زمني مختلف وتعيد استخدامها في كل أزمة بطريقة الماضي نفسها، خاصة تحقيق الاستقلال الوطني والكرامة عبر البيانات الحماسية التي تستخدم لتأكيد العالمية. كل هذا الميراث لم يحم المنطقة من كوارث كبرى ولن يحقق بالضرورة مقولة مصرقد الدنيا، التي تتردد بقوة كجزء من برنامج غير واضح، إلا ان كانت الدنيا التي نرغب في الوصول اليها في المستقبل تختلف لدى من يملك زمام الأمور عن تصورنا. فبدلا من التكنولوجيا الحديثة وجد الناس أنفسهم في مواجهه العودة للفحم والشموع في حديث التضحية بالحاضر والقادم للمستقبل البعيد.
لم تتوقف السخرية عند هذا الحد، وفي وسط أزمة الكهرباء التي أصبحت شاغل الجميع تحدث الوزير المسؤول عن الحاجة إلى أربع سنوات لحل الأزمة، حديث كرره رئيس الوزراء متعهدا بأن الكهرباء لن تنقطع بعد تلك السنوات، أما الرئيس وبعد التأكيد على غضبه وعقد اجتماع لهذا السبب فقد طالب بقطع الكهرباء عن منزله. وعندما زادت السخرية من المدة عاد الوزير للحديث عن تقليل حدة الأزمة على نهاية العام لترد التعليقات سريعا بأن نهايه العام تعني تقليل الاستخدام بشكل طبيعي مع نهاية الصيف. وعندما أعلن بعض المواطنين نيتهم عدم دفع فواتير الكهرباء، غابت صورة الحكومة المتفهمة التي تطالب المواطن بدعمها، وحلت مكانها صورة صاحب المال الذي لا ينتظر على ماله. وأكدت التصريحات على الشدة في محاسبة من لا يدفع ورفض التلاعب بحقوق الدولة. تأكيد متكرر على أن الدولة تعرف المواطن وهي تأخذ منه، ولكن عندما يفترض أن تقوم بدورها وتقدم الخدمات التي تطالبه بدفع ثمنها تغيب.
الحكومة تقدم تصورات مغلفة بطبقات من الكلام، وتطالب المواطن أن يحاسبها بعد انتهاء مدتها ومدد أخرى بعدها، وهو عكس أي قواعد في الحكم والمحاسبة. كيف لحكومة حالية أن تطالب بتحمل مشكلة لسنوات تتجاوزها، وما الذي تفعله في الحاضر، وما الذي يفترض أن تحاسب عليه إن كان الحساب مثل الحلول أفكارا مؤجلة لسنوات. بالطبع لا يرد النظام الذي يرى أننا لازلنا في مرحلة تنفيذ مطالب ثوره يوليو 1952، فالفكرة واحدة والحلول المقدمة في مجملها هي مظهر للمشاركة في ما يحدث، سواء بتبرع الرئيس وبعض المسؤولين بأجزاء من مرتباتهم أو بالمطالبة بإدخالهم في منظومة قطع الكهرباء. لا يتوقف أحد للقول ان تلك ليست آليات إدارة الدول. والأكثر أهمية ان كل هذا لا يحتاج الى الحملات الدعائية التي تحيط بنا. فلا يفترض شكر المسؤول - ان كان ضروريا- لأنه يطالب بقطع الكهرباء عنه، ولكن عندما يعالج الأزمة ويتوقف انقطاع الكهرباء.. وعندما تتوقف المحاباة المسؤولة، وفقا لبعض المصادر، عن تكثيف القطع عن بعض المناطق لتوفيرها لغيرها بسبب من يسكن فيها.
السخرية أن نتحدث عن حرية الإعلام في حدث يفترض أن تحاسب فيه الدولة ومؤسساتها، التي سمحت بتسجيل محادثات شخصية، ثم سمحت بتسريبها وإذاعتها ضمن معركة السلطة مع الثورة. قد يقتنع البعض بما قاله مقدم «الصندوق الأسود» من أن تلك التسجيلات بيعت له، ولكن أليست تلك سخرية، أن يرى البعض أن مؤامرة يناير - كما يتعامل معها- أتاحت تلك التسجيلات الكاشفة بدلا من أن يرى أن الثورة كشفت عن جزء من وجه النظام الأمني. وأن يتم التعامل مع التسجيلات بوصفها سلعة للعرض وكأن الغاية تبرر الوسيلة، رغم أن خصوصية الناس وقيمة الدولة تنتهك كل يوم. وأن يرى البعض أن ما يذاع مجرد مسلسل يشاهده في لحظة استرخاء وينسى أن انتهاك حرية غيره لا يضمن حريته. وأن يتصور ان احترام القضاء والدولة المدنية يبدأ من إعلان هذا في برامج تلفزيونية وأحاديث مرسلة، وليس ضمن تحقيقات وإجراءات كفيلة باحترم الانسان والقانون. أن يحدث كل هذا وضع يعكس أشكالية في رؤية الشخص لحقوقه ولدور الدولة. والغريب أن يبدأ الدفاع عما هو انتهاك لكل تلك القيم باسم قيمة أخرى مهمة هي حرية الكلمة والرأي، أو الإشادة بقيمة رأس المال في حسم الملفات المفتوحة لاسماء معينة وليس انتصارا للقيم أو للدولة. الواضح أننا نرصد الكثير من الأشياء من وجهة نظر الضفدع في البئر، حيث العالم الضيق الذي يتمحور حولنا ولا يتوقف عن التفكير فينا وفي مشاكلنا والتآمر علينا أو طلب الود والسماح، ولكن الواقع كما قال الطائر في القصة أكثر اتساعا وتعقيدا مما يراد لنا أن نرى. السماء بلا حدود، والعالم يسبقنا بمراحل في التطور، ولكننا نحب ان نبدأ كل يوم بتوجيهات السيد الرئيس/المسؤول في كل مجال في الداخل والخارج، فالعالم لا يمكن أن يعيش من دون أن يتفق مع تلك التوجيهات ويعتذر عن توجيه النقد لنا. ورغم التطورات التكنولوجية لازال البعض يصدر لنا رؤية الضفدع، ولكن الفارق أن عدد أكبر في الداخل والخارج يراها في تعريفها المباشر سخرية ثقيلة من أنفسنا وعليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق