بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 23 أغسطس 2014

ترغب النخلة ولا تنحني - محمد علي فرحات

الأحد 17/8/2014: النخلة
ها نحن نرقص. هل تراقصني حقاً؟ أنا النخلة أنكرني أهل النخل. نرقص معاً ولا تطاولني، هل تتسلق؟ أنا النخلة التي ترغب ولا تنحني.
فلتصعد الى علاي حيث غيم وحلم وطريق سفر. وهي بلادنا وتطردنا، وتخوننا ولا نخون.
بلادنا صخر وشجر، لا بشر نعرفهم ويجهلوننا، لأنهم في عزلة العاجز.
والجميلة التي تتثنى على فكر غير جميلات يتثنين على فراغ وخفة.
نرقص على خطر، ولكن، ها هم الراقصون يفرحون حتى على الحافة.
> الاثنين 18/8/2014: الصخر الباقي
ذلك الصخر لأجدادي. أنفاسهم في ثناياه قبل أن يُدفعوا الى أرض بعيدة.
والصخر في ذاكرتي العابرة الأحقاب. زواياه القاسية ومهده الأملس الذي غاب عنه النائمون.
أرى الصخر من شرفة الاحتفال، أنا المدعوّ الى أرضي القديمة ضيفاً ولكن غريباً. وهذي بلادي وسيدفعونني الى آخر الثلج حيث لا صخر ولا نبات.
تنساب الموسيقى ثم تعلو أمام الصخر. لا يهتز. أهو احتفال الوداع ولا ندري؟ قال المدعوون انهم سيسافرون لأسابيع، ولكن من يضمن العودة؟ ثمة من غادر سائحاً ثم انزرع في أرض غريبة ناسياً روحه هنا فوق الصخر.
في آخر الليل أمام نافذة على المتوسط أهاتف الصوت البعيد مكتفياً.
ولن يلتقي الغريبان في أرض الماضي، حيث التلال لأهلها والوديان لأهله.
كيف يكون حب وتكون غَلَبةٌ؟
> الثلثاء 19/8/2014: ثقافة سورية
«سوريا تتحدث - الثقافة والفن من أجل الحرية» كتاب أعدّه زاهر عمرين ومالوها لاسا ونواره محفوظ وصدر عن دار الساقي في بيروت.
حساسية الإنسان السوري ومعاناته التي تفوق تصور البشر والنضال الشائك لتحرير الشعب والدولة. تبرز كلها في الكلمة والرسمة والصورة، بإبداعية تقليدية وحديثة تقارب ما حدث ويحدث في الوطن الجريح.
لا يغني الكتاب عن وطن، لكنه يرسم ملامح أولية للوجدان الجمعي السوري الذي يكاد يغيب أمام طغيان «داعش».
أهمية الكتاب في أنه حقيقة حية لا مجرد ذاكرة. ومنه هذا المقطع:
«لهؤلاء الذين ما زالوا يتساءلون من عبود السعيد:
أنا عبود السعيد، مقيم في منبج، حيث لا تذهب الفتيات الى المقاهي، وحيث لا يوجد بناء أعلى من أربعة طوابق.
ابن أخي الصغير، كلما طلبت منه ان يقول: الله أكبر، يقول لي: عيب!
في المدرسة كنت أجلس في المقعد الأخير، وذهبت الى الجامعة لأتعرف الى فتاة غير محجبة ومعها موبايل فيه بلوتوث، وكانت تسمي هاتفها النقال «كات وومان».
من أجلها سميتُ هاتفي النقال «مياو».
مع ذلك لم تكترث
أنا أعمل حداداً، يعني مطرقة وجرخ ومفتاح 13/14.
أنام مع سبعة أخوة في نفس الغرفة، ولا أملك خزانة، لذلك أخبّئ رسائلي الخاصة في قنّ الدجاج.
أسرق الكهرباء من أقرب عمود كهرباء، وفتاة بورجوازية تدفع لي فواتير الانترنت.
في الحارة يتمسخر الأولاد على الشامة التي في جبيني، وأخي الكبير لا يصدّق انني شاعر... بينما أولاد عمي لو عرفوا أنني شاعر لطبّلوا خلفي بالطناجر والتنك.

عندي قلم رصاص أخربش به أحياناً، وأبريه بالسكين، وآخر قلم أزرق غالٍ جاءني كهدية، انفجر في جيب قميصي.

في الأعراس أجلس قريباً من المطرب، وفي خيم العزاء أنا من يضيّف القهوة المرّة، وفي المقاهي طاولتي دائماً هي طاولة المقطوعين.
 أنا عبود السعيد، أداعب رقبة الحيوان الذي يسكن داخلي لكي ينمو مثل ذئبٍ أعمى».

> الأربعاء 20/8/2014: صورة سميح القاسم
التقيت سميح القاسم ثلاث مرات، الأولى في أثينا والثانية والثالثة في مصر. كان أليفاً وحاضراً في تفاصيل حياة المثقفين العرب وقضاياهم. وفي حضرته تعود فلسطين الى عروبتها وإلفتها اليومية، كأن إسرائيل لم توجد قط.
ها أن القاسم يعود نهائياً الى صورة جمعته بصديقه محمود درويش ذات صيف من العام 1967. نشرت الصورة مع جانب مقالات الصدمة بهزيمة حزيران (يونيو)، وبكى الفتى العاطفي آنذاك وهو يشاهد الشاعرين يتسكعان مثل غريبين في مدينة كانت لهما وللآباء والأجداد. وتمنى الفتى العاطفي ان يكون هو ثالثهما في تذوق مرارة الغربة في الوطن والخيبة من نصرة قومه العرب.
ترك درويش فلسطين المحتلة ليقيم في غير مدينة عربية وأجنبية وليتطور شعره لغة ومناخات، في حين بقي القاسم يتجرع المرارات ويتحدى الاحتلال بالإقامة كفعل مقاومة. انها شعلة الحرية في دخيلة الإنسان تضيء ولا تنطفئ. وقد تطور شعر القاسم نحو التمسك بالثوابت، اللغة العربية بعمقها التراثي والمقاوم، الأكثر رسوخاً من أي ايديولوجيا. يمكن الفلسطيني ان يلتزم القومية العربية فيسكن في أي بلد عربي ويناضل مع رفاقه القوميين، كما يمكن معتنق الإسلام السياسي ان يمارس عقيدته في أي مكان في العالم، أرض الله الواسعة. ولكن النضال من أجل فلسطين يكون بالإقامة أو بالسعي الى الإقامة، ذلك ان الكيان الإسرائيلي في جوهره استعمار استيطاني.
شعراء المقاومة الفلسطينية وفي مقدمهم سميح القاسم وعوا دلالة الإقامة، لذلك لم يحظوا باهتمام خاص لدى جمهور الإسلام السياسي أو جمهور العروبة السياسية. هل تتخيل محمود درويش أو سميح القاسم مواطنين حرّين في دولة تحكمها «حماس»؟ حتماً ستضعهما في السجن أو تخرسهما عن الكلام المباح.
مات سميح القسم مثلما مات محمود درويش أميناًَ لفلسطين الإقامة ومعنى الإقامة، وفي أيامهما الأخيرة رأيا المأساة الفلسطينية تتفرع مآسي. وكان سميح القاسم، خصوصاً في الشهر الأخير من حياته يرى جيش نتانياهو يضرب بلا رحمة فلسطينيي غزة، ويرى «داعش» تغرق الظهير العربي المشرقي لفلسطين في وهدة الجريمة العمياء جارفة البشر والحجر، لتصول وتجول في منطقة بلا معالم، ولتنطق بكلام لا يحتاج قائله الى قراءة الشعر أو غيره، لأن «داعش» يقول آدم الكلام، أي أوّله البسيط والجارح وغير المسبوق.
وعن القاسم ودرويش وغيرهما من شعراء نشأوا وتعلموا تحت الاحتلال الإسرائيلي، نلاحظ ان لغتهم العربية أفضل من لغة شعراء عرب تعلموا في أوطانهم عبر منهج تربوي متخلف وفاشل.
هذه نقطة إيجابية نسجلها لدائرة تعليم اللغة العربية في اسرائيل.
لو أن بلاداً عربية تطبق حرفياً مناهج دائرة العدو هذه.
> الخميس 21/8/2014: الجريمة
كيف يرى أهل الصحافي الشهيد جيمس فولي وأصدقاؤه مشهد قطع رأسه ولا يندفعون الى اليأس.
الرأس المقطوع فوق الجسد المسجّى.
ما الجريمة حقاً إذا لم تكن هذه الجريمة الصافية؟
ولكن، هل يمكن حصر رد الفعل على الجريمة بـ «داعش» وحده؟ انها العواطف المتوترة تضرب كيفما اتفق وليست التحقيق البارد الذي يفند الجريمة. ومن سخونة العواطف وتوترها، السؤال: كيف لمسلم يسكن في الشارع حيث يقع منزل عائلة جيمس، أن يلتقي جيرانه وجهاً لوجه، أن يعزيهم؟ كيف يمكن أن يتعامل معهم في الشارع والمكتب والبنك والمدرسة والمستشفى والإدارة الحكومية؟ وكيف تتحمل عائلة جيمس وجود مسلم جار لها في الشارع يرفع الشعار الديني الذي رفعه الإرهابيون فوق جريمتهم؟انها جريمة الجرائم، وردّ الفعل الإسلامي عليها دون المستوى المطلوب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق