بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 31 أغسطس 2014

«إنك لن تستطيع معي صبرا»! - عطاء الله مهاجراني

جرى الاتفاق على وقف لإطلاق النار طويل الأمد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مما يعد من قبيل الأخبار الرائعة. يمكننا الآن تنفس الصعداء، حيث لن يرى الفلسطينيون أطفالهم يقتلون مرة أخرى. ويمكنهم مسح دموعهم بابتسامة ما. ويأتي وقف إطلاق النار إثر مقاومة مجيدة، ولكنها كانت نوعا مختلفا من المقاومة، وهي المقدرة على الاحتفاظ بالصبر! (استطاعة الصبر).
إن قصة الصداقة والصراع التي جرت بين نبي الله موسى (عليه السلام) والعبد القريب إلى ربه في القرآن الكريم - لهي قصة شديدة التأثير وذات مغزى، حيث وصف الله تعالى القصة بقوله «فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما»، المقصود هو الخضر، (سورة الكهف: 65).
كان هناك تباين كبير فيما بين الشخصيتين، حيث كان تركيز النبي موسى منصبا على الظاهر والأدلة الواقعية لما يراه، وعلى الجانب الآخر كان الخضر يصب جل تركيزه على الباطن وجوهر الظاهرة. وفي نهاية الأمر، أخبر الخضر موسى قائلا: «إنك لن تستطيع معي صبرا»، (سورة الكهف: 67).

بدأت الحرب التي شنتها إسرائيل أخيرا على قطاع غزة بهدف استئصال شأفة حماس. واستخدمت إسرائيل ترسانة الحرب الحديثة ضدهم.
وتختلف إسرائيل عن غيرها من البلدان؛ فهي ليست بالدولة التي تمتلك جيشا، بل هي جيش يمتلك دولة! وإذا كان الأمر كذلك، فالجيش يحتل موقع القلب من دولة إسرائيل. وبعد 51 يوما من بدء الحرب، قبلت إسرائيل وقف إطلاق النار طويل الأمد. ولا تزال حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي على قيد الحياة، وهما الآن بقوة أكثر مما كانتا عليه قبل 51 يوما مضت. فلا تزال الأنفاق موجودة، ولا تزال الصواريخ في مخازنها. وجاءت إشارة كبرى خلال الساعة الأخيرة من الحرب (بين الساعة السادسة مساء والسابعة مساء) في يوم الثلاثاء حينما أطلق الفلسطينيون أكثر من 100 صاروخ دفعة واحدة. وبالإضافة إلى ذلك، جاء مقطع فيديو في غاية الأهمية من جانب «سرايا القدس» يظهر كيفية إنتاجهم الصواريخ في قطاع غزة والمخزون اللوجيستي الخاص بهم.

في بداية الحرب، ومنذ الثامن من شهر يوليو (تموز)، ظنت إسرائيل أنه بإمكانها الانتصار في الحرب خلال بضعة أيام. ولكنها أدركت بعد ذلك أن الأمر سيستغرق كثيرا من الوقت للفوز في هذه الحرب! فلقد كانت حرب استنزاف خطيرة للغاية. وتستلزم مثل تلك الحروب المزيد من الصبر والمقاومة، ولم تكن إسرائيل - ولا تزال - غير مستعدة بعد لخوض حرب طويلة الأمد.

ولدينا طريقة قصيرة للوقوف على نتائج الحرب، من خلال النظر في وجه نتنياهو وحكومته، ثم التطلع في وجوه الفلسطينيين، مما يشير إلى أن إسرائيل بالفعل قد واجهت الكثير من العواقب غير المقصودة. قطع الفلسطينيون شوطا طويلا منذ أطفال الحجارة إلى الأنفاق ثم الصواريخ، مع جنود مدربين بصورة جيدة في «سرايا القدس» و«كتائب القسام».

وهناك نقطة أخرى على قدر عال من الأهمية، وهي ملاحظة أن إسرائيل قد خاضت حروبا وقد انتهت تلك الحروب بسرعة، حيث لم تستمر حرب عام 1967 إلا 6 أيام فقط، وانتهت الأعمال الحربية في حرب عام 1973 بعد 19 يوما فقط. ومع ذلك، حينما كانت إسرائيل تخوض حرب الاستنزاف مع تنظيم «حزب الله» في عام 2006 استمرت تلك الحرب إلى 34 يوما، وتوقفت آخر معركة حربية لها بعد مرور 51 يوما كاملين.

تخيرت إسرائيل أسماء رنانة لتطلقها على حروبها ضد الفلسطينيين: عملية «الرصاص المصبوب» لحرب عام 2008 - 2009، وعملية «عمود السحاب» لعام 2012. وأخيرا، عملية «الجرف الصامد» التي شهدها عام 2014. ورغم ذلك، فإنك، وبشكل مثير للدهشة، تجد أن تلك المسميات تبدو أكثر ملائمة لغزة ولفلسطين من إسرائيل!

سوف نشهد في القريب العاجل أزمة خطيرة للغاية داخل إسرائيل، وعلى وجه الخصوص، داخل حكومة نتنياهو، حيث كيف سيمكنهم تبرير عواقب الحرب الأخيرة؟

على سبيل المثال، هناك 4 وزراء إسرائيليين، ومن بينهم تسيبي ليفني وزيرة العدل، يعارضون اتفاق وقف إطلاق النار. وأنا لست على دراية بتفاصيل المفاوضات التي جرت فيما بين بنيامين نتنياهو، وموشيه يعالون وزير الدفاع، وبيني غانتز رئيس أركان جيش الدفاع في الاجتماع الذي نوقش فيه اقتراح وقف إطلاق النار مساء يوم الاثنين الموافق الخامس عشر من أغسطس (آب)، غير أن النتيجة كانت واضحة، من حيث قبول وقف إطلاق النار لوقوع الأمن القومي الإسرائيلي تحت التهديد، وجرى إغلاق مطار بن غوريون، وكان معظم المواطنين الإسرائيليين في حالة مستمرة من الخوف.

وكانت هناك نكتة تداولتها الصحف الإسرائيلية تقول إن بيني غانتز كان يتوق إلى وقف إطلاق النار، بسبب أنه لا يحب الحرب، وأراد العودة إلى الوطن بأسرع ما يمكن! ولا يعني ذلك إلا أن الحالة الراهنة في المنطقة قد تغيرت. فهناك إسرائيل جديدة، وهناك أيضا فلسطين جديدة. وبعبارة أخرى، لا ينبغي لإسرائيل - وهي لن تستطيع - فرض إرادتها على فلسطين وعلى المنطقة مرة أخرى.

من المعروف تلاعب إسرائيل بالكلمات. على سبيل المثال، قرأت تقريرا في النسخة العبرية من صحيفة «يديعوت أحرونوت» يشير إلى: «ومن ثم، بدلا من أن نطلق عليه مسمى (وقف إطلاق النار الدائم)، من الملائم أكثر أن نسميه (وقف إطلاق النار المشروط)».

ولكن، من الواضح أن الظروف التي نتجت عن الوضع الراهن قد فرضتها المقاومة الفلسطينية فرضا. وظلت إسرائيل تتلاعب بالوقت والكلمات كعادتها. فقد كانت تتحدث عن السلام، وفي الوقت ذاته تقتل الفلسطينيون وتدمر منازلهم.

ويمكنني الآن القول إننا بتنا نواجه نهاية الصهيونية الليبرالية. وصرنا نواجه إسرائيل جديدة. إسرائيل التي لن تستطيع دفن رأسها في الرمال مرة أخرى. وهي في حاجة إلى التفكير في فلسطين جديدة، فلسطين التي قال من أجلها سميح قاسم قائلا:

في كفي قصفة الزيتون

وعلى كتفي نعشي

ثانيا، شهدت الوحدة بين الفلسطينيين قوة وصلابة في غزة، وفي الضفة الغربية، وفي الأرض المحتلة منذ عام 1948. ويعني ذلك أن استراتيجية تقسيم فلسطين قد باءت بالفشل.

في واحدة من مقالاتي إبان الشهر الأخير، كتبت أقول إن السبب الكامن وراء حرب الثامن من يوليو (تموز) كانت الاستراتيجية الموحدة بين قطاع غزة والضفة الغربية، وبين حركة فتح وحركة حماس. ويمكنني الآن القول إن الاتساق، والانسجام، والوحدة بين الفلسطينيين كافة صارت أقوى وأعمق.

خلال المفاوضات، كان لدى الفلسطينيين غصن الزيتون في إحدى أيديهم، وصاروخ في اليد الأخرى، وهذا هو منطق المفاوضات. وذلك هو منطق القرآن الكريم والنصيحة الإلهية:

«وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّـهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّـهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ» (الأنفال: 60).

هناك توازن جديد في فلسطين وإسرائيل، وهو توازن الرعب! وربما كان ذلك هو المفتاح الخفي لدى فلسطين، في طريقها الطويل نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة الحقيقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق