بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 14 أغسطس 2014

تمويل «داعش» أمام عيون الأميركان غسان العيّاش

لم تظهر الولايات المتحدة الأميركية إرادة جدّية للجم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام».
منذ نشأته قبل سبع سنوات، تقريبا، يتطوّر النفوذ السياسي والعسكري والمالي لـ«داعش» بصورة مثيرة، بل مدهشة، وتتوسع الرقعة الجغرافية التي يسيطر عليها. ومع هذا التوسّع تتزايد المخاطر التي يشكلها على المشرق العربي، بما فيه من أقليات دينية وعرقية.
إنه مشروع لا سابق له في المنطقة للقتل الجماعي والاضطهاد، يتوسّل العنف المفرط لإعادة المشرق إلى عصور التخلف والهمجية. يقول الغربيون إن هذا التنظيم، إذا تمكن من إرساء قاعدة مستقرّة له، سوف ينطلق منها ليهدّد العالم بأسره!!
غريب أن الولايات المتحدّة الأميركية غائبة كليا عن مواجهة هذا الخطر وتناميه. لقد اكتفت حتى الآن بإرسال معونات غذائية للنازحين الذين يواجهون الموت جوعا وعطشا في أعالي الجبال، ووجهت ضربات هزيلة لتجمعات «داعش» عندما اقتربت من أربيل.
موقف الأميركيين من تمويل «التنظيم» ملتبس ومريب، وهو يثير شكوكا أكبر وأوضح حول سياسة واشنطن وأهدافها في المنطقة. فواشنطن تتغاضى عن امتلاك «التنظيم» قدرات مالية هائلة، تعزز سيطرته وقوّته العسكرية والسياسية.
لم يعد «داعش» بحاجة إلى التبرّعات التي يغدقها عليه «المؤمنون» ، بل بات أغنى تنظيم إرهابي في العالم، ويتمتع بموارد خاصّة في مناطق سيطرته تغنيه عن الحاجة إلى أي مساعدة أو مدد.
في المراحل الأولى من عمر «التنظيم» كانت التبرّعات هي المورد الأساسي لتمويل نشاطاته وحروبه. وقد أتقن، مستفيدا من تجارب «القاعدة» ومثيلاتها، طريقة إيصال الأموال إليه، بمساعدة «جمعيات خيرية»، أو رجال أعمال يقومون بدور الوساطة لإيصال الأموال.
من الغريب أن يتلقى التنظيم مئات، وربما آلاف، ملايين الدولارات بهذه الطريقة من دون أن يتنبّه الأميركيون إلى ذلك.
بين الحين والآخر يتردّد على لبنان مساعد وزير الخزانة الأميركي دافيد كوهين. يزور مصرف لبنان وجمعية المصارف، ويتحدّث بكل حزم عن عمليات يجريها النظام المصرفي اللبناني لصالح سوريين أو إيرانيين. أحيانا، يسحب من جيبه ورقة كتب عليها أسماء محدّدة ينسب إليها تمرير عمليات مصرفية في لبنان، ويطلب بشأنها معلومات وتوضيحات.
لا غرابة في هذا الأمر. فالولايات المتحدة، وزارة الخزانة والمخابرات المركزية، تستطيع الوصول إلى داتا نظام «سويفت» الأوروبي الذي تتم من خلاله معظم التحويلات المالية في العالم. في حزيران الماضي (أي خلال شهر واحد) أجرت «سويفت» 2.7 مليار عملية تحويل، بمعدّل 22 مليون عملية يوميا.
كيف أصبحت التعاملات المالية العالمية، حتى بين الأفراد، بمتناول موظفي الخزانة والمخابرات المركزية، يطلعون عليها من مكاتبهم في واشنطن من دون عناء؟
يفترض أن تكون قاعدة معلومات «سويفت» سرّية، لأنها تتعلق بخصوصية الأفراد. لكن صحفا أميركية شهيرة، نيويورك تايمز ووول ستريت جورنال ولوس انجلس تايمز، نشرت سنة 2006 مقالات كشفت فيها أن الأميركيين يتجسّسون على «سويفت».
جن جنون الأوروبيين وأثاروا المسألة أمام القضاء الأميركي، وليتهم لم يفعلوا. تحت الضغط الأميركي، وبعد زيارة جو بايدن إلى البرلمان الأوروبي، انتهى الضجيج باتفاقية دولية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تشرّع حصول الأميركيين على داتا «سويفت» بهدف «محاربة الإرهاب».
من الصعب الاقتناع بأن الأميركيين ومخابراتهم كانوا عاجزين في السنوات الماضية عن معرفة الشخصيات التي تجمع التبرّعات وتحوّلها لـ«داعش»، ثم تتبّع مسار هذه الأموال في الأقنية المصرفية.
كان هذا في مرحلة التبرّعات، قبل أن تبدأ «داعش» بممارسة السلطة في مناطق نفوذها، فتفرض الضرائب وتبيع الخدمات وتدير الاقتصاد... وتصدّر النفط.
باتت القصّة أكبر، لكنها أسهل. فالأموال الطائلة تفرض على التنظيم، من دون شك، اللجوء إلى النظام المالي، وهو تحت نظر موظفي واشنطن. كما أن بيع النفط يشرك في تمويل «داعش» لاعبين كبارا لا يسمح لهم حجمهم بالاختفاء عن نظر الغرب: وسطاء وشركات ورجال أعمال ومصارف، ودول حليفة لواشنطن، تسهّل تصدير النفط «الداعشي».
إمّا أن تكون الولايات المتحدّة ساهية عن الخطر المتنامي، وهذا صعب التصديق، وإمّا أنها مرتاحة إلى صعود «داعش» على هذا النحو، ولو على حساب استقرار المنطقة ودماء المسيحيين والمسلمين.
التفسير الممكن أن «داعش» هي الأداة النموذجية «للفوضى الخلاقة» التي سيتمخض عنها «شرق أوسط جديد»: منطقة خارج العصر، غارقة بالاقتتال بين مكوناتها المذهبية، خالية كليا من الروابط القومية ومفاهيم «الدولة الوطنية»، وآخر اهتماماتها مواجهة الغرب أو الحرب مع اسرائيل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق