بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 8 أغسطس 2014

مصر وفلسطين: تساؤلات مُلحة - عواطف عبدالرحمن

كان لقدر مصر أن جعلها تحتل موقعاً قيادياً في العالم العربي في مواجهة الكيان الصهيوني منذ صدور وعد بلفور في 1917 وصولاً إلى قرار التقسيم في 1947 ثم التزامها الكامل خلال الحقبة الناصرية بمساندة الشعب الفلسطيني سياسياً وعسكرياً لاسترداد حقوقه الوطنية المشروعة.وموقف مصر في مواجهة الكيان الصهيوني لم يكن نابعاً فحسب من إيمانها بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في حماية أرضه وتراثه الوطني بقدر ما استند إلى الاقتناع الراسخ لدى مصر الرسمية والشعبية بخطورة تهديد الكيان الصهيوني للأمن القومي المصري الذي ضحت مصر بـ 150 ألف شهيد دفاعاً عن حقها في حماية حدودها وأمنها القومي ضد الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة في حروب 1948، 1956، 1967.ولا شك في أن تراجع مصر عن ذلك الهدف الاستراتيجي وخروجها من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي بتوقيعها اتفاقيات الصلح والاستسلام للشروط الأميركية الإسرائيلية في كامب ديفيد 1978، ومعاهدة السلام 1979 مما كانت له آثار كارثية على مجمل الوضع العربي والمصري والفلسطيني، إذ ساعد على استمرار نهج التسوية والاستسلام الذي تجسد في الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني في أوسلو 1993 واتفاقية السلام الإسرائيلية الأردنية عام 1994، وأصبحت إسرائيل تملك اليد العليا في إدارة مصير ومستقبل الشعوب العربية، ولم يكن ذلك ميسوراً إلا بمساندة أميركا وتواطؤ النظم الحاكمة العربية.

ومن هنا ظهر التحول الذي جعل مصر تواصل دورها القيادي، ليس دفاعاً عن الحقوق المصرية والفلسطينية والعربية بل إذعاناً وخضوعاً للإرادتين الأميركية والإسرائيلية وتحقيقاً لمصالحهما على حساب الحقوق الوطنية والتاريخية للشعوب في مصر وفلسطين وسائر العالم العربي.

وهناك إجماع من الباحثين على أن الحل الذي قبلته مصر الرسمية للقضية الفلسطينية (في ظل حكم السادات) لم يكن حلاً مصرياً أو عربياً أو فلسطينياً. وإذا كانت هزيمة 1967 أدت إلى تدشين الحقبة النفطية، فإن أبرز نتائج الانتصار في حرب 1973 أدت إلى انطلاق عصر التسوية وتدشين حقبة الهيمنة الإسرائيلية.

ومن هنا يبرز السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: ماذا حقق نهج التسوية لكل من القضية الفلسطينية والأمن القومي المصري؟ وتنبثق من هذا السؤال تساؤلات أخرى تبدأ بمصر وهل استطاعت بعد مرور 35 عاماً على اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة الصلح مع إسرائيل أن تحتفظ بسيادتها كاملة على سيناء في ظل الشروط التي نصت عليها اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وفي ظل الاتفاق الأمني الذي وقعته إسرائيل مع أميركا في كانون الثاني (يناير) 2009 والذي يؤكد أن مصر ليست لها سيادة كاملة على أرض سيناء ومياهها الإقليمية ومجالها الجوي؟

وبالنسبة إلى القضية الفلسطينية: ماذا تحقق بعد مرور 21 عاماً على اتفاق أوسلو؟ لقد تجاهلت إسرائيل الحقوق الفلسطينية المقننة دولياً بما في ذلك حقهم في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة، كما استبعدت أهم القضايا وأخطرها (اللاجئون – القدس – المستوطنات والحدود والسيادة) وذلك مقابل اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بوجود إسرائيل من الناحية الشرعية والقانونية، وليس فقط من الناحية الواقعية. ويتوج هذه التساؤلات السؤال الأهم هل نجحت اتفاقيات التسوية التي وقعتها إسرائيل مع كل من مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية والأردن، في إحلال السلام في المنطقة العربية، أم أصبحت تمثل عقبة كبرى تعترض طريق السلام الحقيقي؟

إن قدر مصر يفرض عليها استحالة الاستمرار في موقف الصمت والإنهاك الدائم للقوى الشعبية بهدف تجنيب الفئة الحاكمة أي عواقب قد تتعرض لها إذا ظهرت أية ردود أفعال لا تقرها أميركا، لأن تداعيات تلك السلبية دائماً ما تكون في صالح القوى الطاغية ويزداد على أثرها سخط الشارع العربي يوماً بعد يوم، كما يرتفع الجدار الذي يفصل الشعوب العربية - وفي قلبها الشعب المصري - عن القيادة السياسية المصرية.

ولكي تصل مصر إلى الفاعلية المتوقعة يجب أن تعالج جوهر المشكلة الذي يكمن في انعدام وجود أوراق ضغط مؤثرة في يدها تستطيع استخدامها للمناورة والتأثير في العملية السياسية، علماً بأن ورقة القوة العسكرية ليست هي الوحيدة القادرة على إحداث التغيير، بل قد تكون أقلها تأثيراً. وأكبر دليل على ذلك فشل الحروب كافة التي شنتها أميركا، القوة الأعظم عسكرياً، في فيتنام والعراق وأفغانستان، وفشل روسيا في أفغانستان والشيشان. فهناك العديد من الأوراق الأكثر تأثيراً من ورقة السلاح مثل القوة الاقتصادية المتمثلة في النهوض التكنولوجي والصناعي والاكتفاء الذاتي في الغذاء وتفعيل الإصلاح السياسي الحقيقي وإقرار العدالة الاجتماعية، فضلاً عن التمسك بالثوابت الوطنية والقومية.

* كاتبة مصرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق