بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 12 أغسطس 2014

«محاكمة القرن».. هل تبرئ مبارك وتدين السيسي؟

خصصت محكمة جنايات شمال القاهرة الجلسات الاخيرة للقضية المعروفة اعلاميا ب»محاكمة القرن»، والمتهم فيها الرئيس الاسبق حسني مبارك ونجلاه ورجل الاعمال الهارب حسين سالم ووزير الداخلية الاسبق حبيب العادلي وستة من كبار مساعديه، للاستماع الى مرافعات من المتهمين مباشرة خارج القفص تمهيدا لحجز القضية للنطق بالحكم الذي سيكون نهائيا هذه المرة، بعد ان ألغت محكمة النقض الاحكام من الصادرة عن المحاكمة السابقة.
ومن المقرر ان تصل «الدراما» الى ذروتها غدا الاربعاء عندما يتحدث مبارك ونجلاه امام المحكمة على الهواء مباشرة للمرة الاولى عن ملابسات ثورة يناير في اطار الدفاع عن انفسهم بشأن اتهامات تتراوح بين قتل المتظاهرين والفساد المالي. 
الا ان كثيرين اعتبروا ان مرافعات اللواء العادلي وبعض مساعديه خلال الايام الثلاثة الماضية لم تكن تقل عن بعض مسلسلات رمضان من حيث الاثارة الدرامية، وخاصة عندما تحدث العادلي في «تفاخر» عن استخدام التسجيلات السرية لبعض الاعلاميين والسياسيين وما تحويه من فضائح اخلاقية في تجنيدهم للعمل كمخبرين لجهاز امن الدولة، او حديثه عن انه كان «ينوي ان يقدم استقالته» بعد احتفال الشرطة بعيدها في الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير 2011 (حتى يعيش حياته). ويعتبر كثيرون انه اذا كان فعل ذلك لما اندلعت الثورة اصلا، اذ ان المطالب الشعبية في بداية الثورة كانت تقتصر على عزله. 
اما «السر» الذي كشفه العادلي واحرج به رئيسه المخلوع، فهو انه عندما سأل مبارك عن قضية التوريث قبل الثورة، كان رده (لا يوجد توريث انا هاترشح في الانتخابات)، وهو ما يثبت ان مبارك كذب على الشعب ابان الثورة عندما قال انه كان ينوي»عدم السعي الى ولاية رئاسية جديدة على اي حال».
ومن الطبيعي ان يسمح للمتهمين بالحديث عن انفسهم امام المحكمة، الا ان هذا عادة ما يكون مرتبطا باطار زمني وموضوعي محدد مع الالتزام بعدم الخروج عن موضوع القضية. الا ان ما يحدث في محكمة «قضية القرن» وتنقله قناة فضائية واحدة معروفة بتأييدها للرئيس الاسبق حسني مبارك واعتبارها ثورة يناير مجرد «مؤامرة اخوانية امريكية» يمثل «ثورة اعلامية وسياسية مضادة» تهدف الى تشويه ثورة يناير بل وشطبها من كتب التاريخ وتجميل وجه نظام مبارك القبيح.
ولا يمكن فهم كيف تسمح المحكمة لمتهم بجريمة محددة هي القتل العمد لمتظاهرين سلميين، بأن يكون جوابه «كانت مؤامرة وليست ثورة» ثم الاصرار على تكرار هذه «العبارة» وكأنها الهدف الاصلي من اذاعة المحاكمة على الهواء. 
لقد بلغت ثقة المتهمين في حصولهم على حكم البراءة قريبا حدا جعلهم يتحدثون وكأنهم ضيوف في احدى برامج «التوك شوز» وليس امام محكمة موقرة، وهكذا نراهم يسترسلون في تمجيد اشخاصهم وسجلاتهم، بكل ما يعنيه هذا من استفزاز للضحايا واهلهم، بل و»معايرة» الشعب بما حدث من انهيار امني بعد الثورة، ثم اتخذ بعضهم المحكمة منبرا للهجوم الشخصي على بعض المؤيدين للثورة ورميهم باتهامات العمالة والخيانة وغيرها دون دليل.
وهكذا اصبحت المحاكمة وسيلة علنية لـ «اعادة انتاج نظام مبارك اعلاميا» بغسل خطاياه وجرائمه التي لولاها لما اندلعت الثورة.
وبالطبع فان القناة التي أعطيت، لاسباب غنية عن البيان، الحق الحصري بإذاعة الجلسات تعزف على النغمة نفسها بتلقي اتصالات من مشاهدين يتصادف انهم جميعهم من مؤيدي مبارك والعادلي وزبانيتهما (…).
ولا يسأل احد من المعلقين ابدا ما هو الدليل على صحة اتهام العادلي ومدير جهاز امن دولة مبارك لعناصر الاخوان وحماس بقتل المتظاهرين؟ وكيف لم يعتقل واحد منهم متلبسا بالجرم المشهود؟ والا يكفي هذا لادانة النظام باكمله بالاهمال في حماية المتظاهرين؟ واذا كان هناك معتقلون من حماس او حزب الله او اي من «عناصر المؤامرة الامريكية الاخوانية» التي يتحدثون عنها فلماذا لم يقدم اي منهم للمحاكم بعد اكثر من ثلاث سنوات على الثورة؟
ام ان «المواءمة السياسية» اصبحت تقتضي مبادلة تبرئة مبارك ونظامه بادانة الاخوان؟
لكن من يقرأ الواقع جيدا يدرك ان كثيرين يقبلون اتهام الاخوان بقتل المتظاهرين، لكنهم لن يسمحوا بما يحصل من اعادة تأهيل لنظام مبارك. بل ان الرئيس عبد الفتاح السيسي شخصيا سيكون على رأس المتضررين من هذا التشويه الفج لثورة يناير وما يعنيه من اهدار لدماء نحو الف مصري قدموا ارواحهم خلالها.
ومع احكام البراءة المتوقعة لمبارك وزبانيته، فان الادانة الشعبية قد تكون من نصيب السيسي نفسه ان لم يتحرك بحسم لاعادة الاعتبار لثورة يناير، وينأى بنفسه عن قتلة الثوار الذين اصبحوا «ابطالا» في غفلة من الزمن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق