شبرة بيضاء - خالدة ابو صبح

طالما حلمت زينب تلك الفتاة ابنة السبع سنوات, ذات الوجه الأسمر, , بشبرة بيضاء تزين شعرها الخروبي المسترسل , لكن والدتها لم تدرك تلك الأمنية التي طالما حلمت بها زينب .زينب تنظر إلى نفسها في أسطح السيارات الواقفة إمام مدرستها, فيتضح لها مدى بشاعة قامتها ومدى سواد بشرتها , واصفرار تلك الشبرة التي تضعها على رأسها. من الطبيعي
جدا أن يحدث ذلك فبيتها فقير لا يوجد به لا الأسطح الخشنة التي تعكس البؤس والفقر والشقاء فمن أين لها مراه ملساء تعكس لها صورتها .

الندب البيضاء تلازم سحنتها ملازمة الظل للجسد ساعة الظهيرة , فكانت تزورها صيفا وتعود لتختفي شتاءا , علها كانت تهرب من البرد الذي كانت تعيشه تلك الفتاه حيث النوافذ المكسرة , حيث المدفأة قد انطفأت , لا يوجد أغطية ,هناك برد وقشعريرة, يرتد الصوت عبر جدران الغرفة إلى مسامع الفتاه , محدثا زلزالا وبركانا ثائرا يهز مسامات جسدها الصغير ويشعرها بخوف اكبر وأعمق . 

مازالت زينب تنظر إلى ضفائر زميلاتها التي تزينهن تلك الشبرة البيضاءالناصعة البياض , والتي يبلغ سمكها أضعاف تلك الشبرةالمهترئة التي يميل لونها إلى الصفار من الغسيل , والتي تكسو شعر زينب , تحلم زينب وتتمنى لو انها تمتلك مثل ما يمتلكن 

يد زينب الصغيرة تمتد شيئا فشيئا إلى هناك حيث زميلتها سوسن التي اعتادت كل يوم على تبديل شبرتها المصنوعة من القماش الفخم ناصع البياض , شبرة سوسن في ذلك اليوم كعادتها طويلة جدا لدرجة أنها وصلت إلى كتفيها مما سهل المهمة على زينب التي ابتدأت بسحب الشبرة رويدا رويدا عن راس زميلتها زينب تشعر بانتصار داخلي لقد نجحت في إتمام المهمة , تراها تجمع الشبرة بين أصابعها ومن ثم تضعها في جيب مريولها الأزرق وتزيح بنظرها وكأنها لم تفعل شيئا , ثم تعود مهرولة إلى البيت, وهي لا تصدق أن يحوزتها شبرة بيضاء ناصعة البياض .

ترى هل وضعتها على شعرها الخروبي المسترسل , حتى وان وضعتها فهي لا تملك مراه كي تعكس لها كيف ستبدو الشبرة البيضاء على رأسها , ربما خوفها سيمنعها من وضعها على رأسها كون صديقاتها قد اعتدن على رؤيتها بتلك الشبرة باهتة البياض , أو ربما وضعتها على رأسها بكل جرأة راكضة إلى إحدى السيارات المصطفة بالشارع لترى بأم عينيها كيف ستبدو عليها , لكن من المحتمل آن يكون الشارع قد خلا من السيارات في ذلك الوقت !