بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 23 أغسطس 2014

الأيديولوجيا الصهيونية تتهاوى - مصطفى زين

يعتقد نتانياهو، وهو محق، أن الجهود التي بذلت خلال السنوات الماضية كي يتحولالعداء العربي باتجاه إيران أثمرت وحان قطافها، خصوصاً بعدما تفجر الخلاف المذهبي حروباً دمرت بلدين أساسيين، هما سورية والعراق، وتمدد الخلاف في طول بلاد الشام وعرضها، فضلاً عن المحيط.
معتمداً على هذا الواقع الذي تؤكده اتصالاته ومعلومات استخباراته، ومئات الوثائق والتحليلات والمواقف الرسمية وغير الرسمية، أدرك نتانياهو أن الهجوم على غزة وتدميرها فوق رؤوس أطفالها ونسائها لن يحرك أحداً: «حماس» أصبحت معزولة، فمصر تشن حملة على «الإخوان المسلمين»، والحركة جزء منهم، وباقي الدول العربية وضعتهم على قائمة الإرهاب. ولم يبق أمامهم سوى قطر وتركيا، وكلا الدولتين مرتبط بعلاقات مع إسرائيل، فضلاً عن ارتباطهما معاً بالسياسة الأميركية. أما إيران، حليفة «حماس» الأساسية، فمكبلة، لا تستطيع التحرك دولياً ولا إقليمياً، وبالتالي لن يكون لدعمها القطاع أي تأثير إلا على مستوى التسليح والتدريب.
فلسطينياً، تعرف إسرائيل أن السلطة في رام الله لن تتحرك أبعد مما هو مرسوم لها عربياً ودولياً، ولن تغير رأيها في أن المقاومة مجرد «تشويش» على عملية السلام التي ماتت منذ سنوات ولم تزل واشنطن والأمم المتحدة متمسكتين بها، وأقصى ما تستطيعه المنظمة الدولية دعوة الطرفين إلى ضبط النفس، واستنكار قتل المدنيين.
ولأن الحكومات الغربية المؤيدة لإسرائيل لم تعد تعير الرأي العام لديها أي اهتمام، ولا تتأثر بتوجهاته، فلتسر التظاهرات في شوارعها، وليهتف مئات الآلاف تأييداً لغزة، فلن يغيروا شيئاً من التأييد الرسمي غير المشروط لتل أبيب، فكاميرون لن يرضخ لمطالبهم بوقف إرسال الأسلحة إلى تل أبيب. ولن يتحول هولاند إلى ديغول جديد ويتخذ إجراءات مخالفة لتوجهات الولايات المتحدة، فباريس في عهد هولاند وعهد سلفه ساركوزي، تحولت إلى صدى يردد صوت أميركا.
هذه بعض المعطيات التي جعلت نتانياهو يشن الحرب على غزة (هي في الواقع حرب على الفلسطينيين كلهم). ثم يقف على أشلاء الضحايا من الأطفال والنساء، بعد أكثر من شهر على مواصلة الإبادة، لــــيؤكد أن «كل الدول العربية» معه. لكن ما لم يدركه، على رغم تجربته في حرب لبنان عام 2006، أن الوضــــع تغير، فالجيش الذي لا يقهر لم يستطع اقتحام القطاع، والمستوطنات التي كانت تنعم بالهدوء لأن الحروب السابقة كانت تشن على أرض الآخرين، اصبحت في مرمى النار. والمستوطنون بدأوا يطالبونه بالحماية.أبعد من ذلك. إن الأيديولوجيا الصهيونية اليهودية التي ما زالت تحرك أميركيين في موقع القرار، مثل جو بايدن، أصبحت موضع تساؤل في الأوساط الإسرائيلية نفسها، فضلاً عن الأوساط الأكاديمية الغربية المتحضرة التي ترى إليها مجرد تبرير غيبي غبي لقتل الآخر واستعماره، فالله ليس سمساراً لبيع العقارات ليهب «الشعب المختار» بلاداً الحياة فيها متواصلة منذ آلاف السنين.
الأيديولوجيا الصهيونية تتهاوى. وحروب إسرائيل لم تعد نزهة أو رحلة سفاري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق