بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 20 يونيو 2013

«فن الشارع» في بغداد- علي السراي ..

«فن الشارع» في بغداد ... طريقة احتجاج أسبوعي على السلطة 

في ساحة صغيرة في شارع المتنبي بدأ الجمهور في بغداد يتعرف على فريق من المسرحيين الشباب يطلقون نشاطاً أسبوعياً للاحتجاج على السلطات تحت عنوان «فن الشارع». لم يكن هناك غرافيتي، ولم يشارك في «فن الشارع» العراقي الجديد هذا تشكيليون، أو رسامو ثورة. في الأقل، كان هذا الانطباع حين قرأ الجمهور الإعلان في مواقع التواصل الاجتماعي. لكن الفكرة التي بدأت تنمو في الوسط الثقافي العراقي، أخيراً، ستكون هي الأولى في البلاد، التي لم تعرف هذا الفن منذ عقود، وهو مقترن بالغضب والاحتجاج.
بدأ «فن الشارع» في بغداد كخبر ثقافي على غير عادة الأخبار. كان لمن يعرف كيف صنع «الغرافيتي» تحولات نوعية في الربيع العربي يتوقع الكثير.
كان التجمع مدفوعاً بقرار وجد معارضة شرسة لدى المثقفين العراقيين. فبعد أن أقالت وزارة الثقافة العراقية موظفاً كبيراً لديها، اتهمته بالسماح لممثلة ألمانية في عمل مسرحي طليعي بالتعري على أهم مسرح في بغداد، احتج مسرحيون شباب على القرار، حين قدموا عروضاً في الشارع، وأمام المارة، كانت أفكارهم فيها احتجاج على «أسلمة» الثقافة، أو محاولة «تحجيبها».
الموظف المُقال كان شفيق المهدي، مدير السينما والمسرح، والعرض هو «إنسان رقم واحد» وفيه تعرت مينكاو سيكي، الممثلة الألمانية كجزء من سياق رقص «السولو» داخل المسرحية. وفيما صفق لها جمهور «نخبوي» كانت الوزارة ترى المشهد «انتكاسة» لجهود حماية التقاليد والأعراف العراقية، فشكلت مجلساً للتحقيق في «الواقعة». كان هذا سبباً كافياً لتخرج تظاهرات في بغداد، لكن المشكلة في شكل الاحتجاج، والذي اختاره شباب يدرسون المسرح في أكاديمية الفنون الجميلة أن يكون «فن الشارع».
كان التظاهر بالنسبة للمدافعين عن الحياة المدنية في العراق يشكل مصدراً للحيرة، لديهم تاريخ قصير في النشاط المدني، بخاصة أولئك الذين تعرفوا على أن لديهم وعياً سياسياً بعد 2003. مصدر الحيرة يعود إلى أمرين، أول تجربة للتظاهر المدني تعود إلى العام شباط 2010، في ساحة التحرير في بغداد، حين اجتهدت السلطات العراقية، بالاعتماد على أجهزة أمن حازمة، تقويض الاحتجاج، واعتقال أبرز الناشطين فيه من الشباب، وكان هذا سبباً للشعور بالإحباط، لكن هناك رغبة بتنظيم حراك أكثر نضجاً وتنظيماً. لكن السبب الثاني هو ما يدفع «مسرحيين شباباً» إلى التفكير في أشكال احتجاج مختلفة، حين يكون متزامناً مع موجة تظاهرات لا يعتقدون أن لهم فيها ناقةً أو جمل.
لكن المسرحيين الشباب تروقهم الفنون البصرية التي تنمو في الأماكن العامة والشوارع، في نشاط غير رسمي يتسع ويزدهر خارج غرف الحكومة والمؤسسات الثقافية.
فن الشارع، وكما تعرف عليه الجمهور في شارع المتنبي قبل نحو شهرين، بدا وكأنه باب جديد للتعبير عن الفنون، بأشكال جيدة وبمحيط وأجواء أكثر تنوعاً وامتزاجاً. الصورة في شارع المتنبي، مع شباب يرقصون، ويؤدون حركات عروض هادفة، كانت لافتةً للغاية، ومدعاة ليفكر كثيرون بالكيفية التي يتطور فيها فن الشارع في العراق.
اليوم الأول لـ «فن الشارع» كان مشحوناً بالغضب، أكثر من مئة فنان عراقي رفعوا لافتات إدانة لوزارة الثقافة، حين وجدوا قرارها التحقيق في مشهد وصِفَ بالفاضح من ممثلة ألمانية، محاولةً لتقزيم الثقافة العراقية، كما يقولون.
هناك أمثلة»مزعجة» في الذاكرة القريبة لهؤلاء الشباب، حين تقف في وسط تجمعهم الدائري في ساحة «فن الشارع» قرب ساعة القشلة الملكية، تسمعهم كيف يتداولون سجل الانتهاكات، القصة لها بدايات مختلفة، ففي البصرة منعت الحكومة المحلية سيرك «مونتي كارول» من إقامة عروض صحبة الأسد، وحين تركت الفرقة الفرنسية المدينة كتبت أحزاب دينية شعارات انتصار على جدران المدينة. في بابل كان العراقيون يعرفون فيها مهرجاناً دولياً يحضر فيه المسرح والموسيقى والرقص، في العام 2009 كان المهرجان برعاية سياسية أقرت برنامجاً للشعر فقط، خشية وتر يضرب لحناً أو جسداً يهز على خشبة بابل.
دائرة المحتجين في «فن الشارع» تتسع، ويطلق الجميع عرضاً ارتجالياً حضرت فيه نصوص لفردريك نيتشه، وصموئيل بيكت، وزرادشت، وبينها تنقل أبناء «فن الشارع» بنصوص غاضبة على السلطة، و «ناقمة منها بأثر رجعي».
العروض المسرحية تنتهي برقص تعبيري داخل الدائرة الافتراضية، وبينما الجمهور يزداد من حولهم ينطلق الجميع إلى نصب المتنبي، قرب دجلة، هناك يختمون الاحتجاج ويرحلون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق