بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 30 يونيو 2013

من “الدولة الوطنية” الهشة إلى “المرجعية الطائفية” المتوجسة - اسامة عثمان - العراق

حين طوت الدولةُ الإسلامية، بتجلياتها: الراشدة، بالبيعة والشورى، ثم بالافتقار إلى ذلك، فيما يشبه المَلَكيَّة الوراثية في عهد الأمويين، بعد معاوية بن أبي سفيان، بصفة عامة، ثم انتقالها إلى بني العباس، وانتهاءً بحكم العثمانيين الذين تراجعت في أواخر عهدهم الرابطةُ الإسلامية الجامعة؛ بحكم صعود الطورانية والتتريك؛ لتلد نزعةً عربيةً مقابلة…، حين طوت الدولة الإسلامية، إبّان قوتها، تلك البقعةَ الجغرافية المترامية، بإثنيّاتها وأعراقها ولغاتها وثقافاتها المحلية لم تكن تبني ذلك؛ على إزهاق تلك المتناقضات كليا، وإلى الأبد، وإنما كانت تتغلب عليها تغلُّبا، وعلى درجات تتفاوت، فقد شهد التاريخ الإسلامي ظهورَ دولٍ على أسس مذهبيّة، كالدولة الفاطمية في مصر، وشمالي أفريقيا، كما شهد صعود عناصر غير عربية واستبدادها بالحكم.. كما السلاجقة الأتراك، فيما عُرف تاريخيا بعصر نفوذ السلاجقة؛ إذ لم يبقَ للخليفة العباسي، في بغداد، سوى بعض المظاهر والرسوم. وحتى في العصر العباسي الأول، وهو العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية لم يكن بالإمكان تجاهلُ الأصوات الشعوبية التي غضَّتْ من شأن العرب، وازدرتهم، وأعلت من شأن العجم.
إلا أن الرابطة الوطنية لم تنشأ في البلاد العربية والإسلامية إلا حديثا، كما يقول الدكتور، محمد محمد حسين
في كتابه: “الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر” وكما يؤكد ذلك، الدكتور غسان سلامة الذي يقول بأن الحدود الوطنية لم يكن لها قبل الثقافة السياسية المعاصرة، لا في منطقتنا، ولا في خارجها، هذا التقديس شبه الديني.
ومع أنه ليس من الصواب، ولا من مصلحة الرؤية الأوفى النظر من زاوية واحدة، حتى لو كانت فكرية، فإن العامل الفكري المتأثر بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية قد يغدو البنية الأعمق.
ذلك أن هذه الأمة بعد أن انفرط عقد وحدتها، وتكرَّس هذا الانفراط بالحدود القُطرية، وبالمعاهدات الدولية كاتفاقية سايكس بيكو، آلت إلى كيانات سياسية جديدة مهَّد لشرعيتها النضالُ ضد الاستعمار، فتبلورت الروح الوطنية، متجليةً، أولا، بالعداء للاستعمار البريطاني، أو الفرنسي، ثم بالنزوع نحو الاستقلال، والمحافظة على هذه الأقطار وَفْق هذه الحدود، والمكوّنات الناشئة.
ولما انتهى الاستعمار العسكري، وقامت النظم الوطنية، حاولت هذه النظم الظهورَ بمظهر النِّد للمآرب والمخططات الاستعمارية؛ فرفعت شعار التحرر من الاستعمار والنهوض بالبلدان. ولكنها، وقد أخفقت في التحديات الداخلية والخارجية، كما في الصراع مع إسرائيل، فإن شرعيتها أخذت في الاهتزاز.
ولا سيما أن “الدولة الوطنية” لم تنجح في تعميق فكرةٍ تكون بؤرةً للتنظيم الاجتماعي، ذلك أن الأفكار والقيم الثقافية والمعايير تُعدُّ بؤرةَ التنظيم الاجتماعي الذي تجري تنشئة أعضاء المجتمع الجدد فيه”. ولكنها ظلت تناور، أو تخلط بين أفكار ليبرالية علمانية وأفكار إسلامية؛ فلم تتحدد شخصيتُها، ولم تبلغ مرحلة الإشعاع الفكري، وإن كانت تحتمي بكونها الوسيلة التي تحفظ مقدَّرات البلد، والتي تحمي مكتسبات الأفراد المادية والوطنية، وظهر هذا أكثر في البلدان العربية الغنية التي حظي مواطنوها بقدر جيد نسبيا من الرفاهية والحقوق.
وحين بدأت الأوضاع الجيوسياسية العربية تتعرض إلى تغيّرات عميقة، فيما سمي بـ “الربيع العربي” ازداد انكشاف “الدولة الوطنية”، وكشفت التصدّعات الطائفية في بنية المجتمعات العربية عن هشاشة الهُويّات الوطنية، إذ إن الطائفية عصفت بالأقطار من الداخل، وعبَرَت الطائفية الحدود، إلى امتدادات طائفية خارجها… كما يظهر هذا جليا في سورية ولبنان والعراق.
ذلك أنه حين ضعف تأثير العامل الخارجي المُوحِّد، ولم تنجح النظم السياسية في تقديم فكرة جامعة تصهر بها المواطنين، أو تربّي بها الشعور الوطني، المشروط بنيل حقوق المواطنة…. والتساوي أمام القانون.. آلت الناس إلى تكتلات أخرى، وكان من أبرزها وأكثرها فاعلية التكتل الطائفي.
ويمكن القول إن رجوع المنطقة إلى المرجعية الطائفية؛ لتصبح محركا اجتماعيا وسياسيا ليس ناتجا عن حركة وعي إيجابية بقدر ما هو علامة على افتقار إلى مرجعية جامعة إيجابية، ولذلك كثيرا ما تجد الإنسان الطائفي غير مقتنع بالفكر الذي تحمله الأحزاب والجماعات ذات المرجعية الدينية، بل يغلب على الارتباط بينهما (الأحزاب والمستثارين طائفيا) يغلب عليهم الارتباط الوظيفي النفعي، لا الارتباط الفكري السياسي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق