بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 29 يونيو 2013

العراق بين الفصل السابع و «الفصل الأول» - مصطفى زين



أخرجت الأمم المتحدة (إقرأ الولايات المتحدة) العراق من طائلة الفصل السابع بعدما «أوفى كل تعهداته إلى الكويت»، وأحالت الملفات العالقة بين البلدين على الفصل السادس، أي ان بغداد لم تعد مهددة بالعقوبات وباستخدام القوة لتنفيذ قرارات المنظمة الدولية.
المسؤولون في الحكومة العراقية اعتبروا القرار الدولي «خطوة تاريخية»،
أو نهاية مرحلة وبدء أخرى جديدة في علاقات بغداد مع الكويت ودول الإقليم والمجتمع الدولي.
وزير الخارجية هوشيار زيباري ورئيس الوزراء نوري المالكي اللذان أشادا بالقرار يعرفان تماماً أن الخروج من أحكام «الفصل الأول»، أي إنهاء الخلافات الداخلية، أهم بكثير من كل القرارات والعلاقات الدولية. وان تهديد الأكراد بالإنفصال إذا لم ترضخ بغداد لشروطهم أخطر بكثير من اي عقوبة يفرضها مجلس الأمن. زيباري نفسه علق مقاطعته الحكومة قبل اسبوعين، بعدما توصلت بغداد وأربيل إلى اتفاق وضع حداً للمواجهة بين «البيشمركة» والجيش الإتحادي في مناطق يطالب الأكراد بضمها إلى إقليمهم. إقليم يتصرف كأنه دولة مجاورة للعراق وليس جزءاً من نظامه الفيديرالي، على ما ينص الدستور.
وإذا كانت العلاقة مع الأكراد في هذا المستوى من الهشاشة فهي بين بغداد والمحافظات الغربية والشمالية، أي الأنبار وصلاح الدين والموصل، ليست أفضل حالاً. المتظاهرون في هذه المحافظات لم يغادروا ساحات الإعتصام منذ ستة شهور، احتجاجاً على تهميشهم، ما أتاح الفرصة أمام التنظيمات المسلحة لاستغلال الوضع وتكثيف عملياتها، والتعاون مع مثيلاتها في الجانب السوري من الحدود بين البلدين وتحويلها إلى «إمارات» متناحرة ولاؤها للخارج ولـ «الآخرة».
أما العلاقة المركزية بالمحافظات الجنوبية التي همشت طوال العقود، على رغم غناها فاستقرارها النسبي مرتبط بمدى طائفية الحكم المركزي. وهي بدورها تطالب بالتحول إلى أقاليم مستقلة، مستفيدة من تجربة الأكراد، ومن النص الدستوري الذي يعطيها هذا الحق. وقد ارتفعت أصوات النواب الذين يمثلونها وأصوات في مجلسها المحلي مطالبة بتنفيذ القانون.
المعالجة المركزية لهذه المطالب تجسدت الأسبوع الماضي بقرار من البرلمان يعطي مجالس المحافظات صلاحيات واسعة جداً، على المستويات الأمنية والإقتصادية والتشريعية. وخصص لكل محافظة منتجة للنفط خمسة دولارات عن كل برميل. أي حولها إلى أقاليم من دون أن يطلق عليها هذا الاسم...
تفككت الدولة العباسية عندما تعاظمت قوة الولاة وضعفت بغداد، وعندما تحول الصراع على الخلافة إلى حروب بين العرب أنفسهم من جهة، وبين الفرس والأتراك من جهة أخرى. وراح كل والٍ يعلن دولته المستقلة برضى الخلافة التي كانت تكتفي بالمحافظة على بعض الشكليات في العلاقة، مثل سك صورة الخليفة على العملة، أو الدعاء له من على منابر المساجد.
ها هو الصراع بين العرب يتخذ الطائفية والمذهبية حجة. وها هي تركيا من جهة وإيران من جهة ثانية تتصارعان على النفوذ في أرض الرافدين. وها هي الحكومة المركزية في بغداد تعطي المحافظات (الأقاليم) الكثير من صلاحياتها. التاريخ يعيد نفسه على شكل مأساة لن تتوقف عند الحدود العراقية.
الفصل السابع لم يعد يحكم العلاقت الدولية مع العراق. و «الفصل الأول» هو الأهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق