بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 23 يونيو 2013

الأخطبوط الأمريكي في آسيا الوسطى: اكتمال دائرة حصار الشرق الأوسط - مالك العثامنة





من يمتلك ذات الكتالوج القديم في محاولات فهم الأهداف الأمريكية في العالم، فمن الأفضل أن يعمل على تغيير هذا الكتالوج بالنسخة الأحدث، التي تحوي معطيات أمريكية مختلفة جدا في استراتيجية الولايات المتحدة في العلاقات الدولية، والمبنية دوما ومن دون تغيير على مصادر الطاقة. من المهم أن نلتفت إلى نشاطات ساخنة لواشنطن في أماكن أخرى في هذا العالم، لنفهم كيف تفكر القوة العظمى وما هي توجهاتها.

آسيا الوسطى، المنجم الجديد، ومحط اهتمام وأولويات واشنطن في السنوات الأخيرة، وهي المنطقة التي تتمتع بأهمية جيوسياسية تتناسب وطموحات واشنطن في السيطرة على أهم المحاور المستهدفة للأمريكيين – إيران، أفغانستان، الصين وروسيا بالضرورة. وقد صار جليا أن واشنطن تبذل قصارى جهدها للسيطرة على قادة تلك الدول في هذه المنطقة، خاصة في أوزبكستان، مستخدمة كل الوسائل المشروعة منها والمحرمة.
وكانت أولى علامات هذا النشاط الامريكي فضيحة التجسس الكبرى التي اثيرت في أواخر عام 2010 في أوزبكستان، عندما أدين السكرتير الثاني في قسم الاقتصاد السياسي في السفارة الامريكية في طشقند، جيمس روكر بتهمة التجسس، وشريكه المتحدث الرسمي باسم وكالة المخابرات المركزية في أوزبكستان جيفري روزنبرغ، ليتبين بعد التحقيق أن الـ’سي آي إيه’ جندت شبكة جواسيس عسكريين لها في أوزبكستان.
إن هذه الاختراقات الداخلية الخطيرة تمس الامن القومي لأية دولة بشكل مباشر، كما حدث في العراق، فنحن نعلم أن انتصار الولايات المتحدة وحلفائها على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، حدث نتيجة خيانة عدد من الجنرالات العراقيين الذين كانوا مسؤولين عن تأمين وحماية العاصمة بغداد، و لم تخف امريكا يوماً بأن هؤلاء الجنرالات تم تجنيدهم من قبل المخابرات الامريكية، خلال فترة ابتعاثهم للدراسة والتدريب في الولايات المتحدة إبان الحرب العراقية الإيرانية.
ولأن اللاعب الأمريكي له نمطية محددة في سلوكه، فإن المقاربة مع لعبة واشنطن قبل سنوات في فنزويلا، حين أرادت التخلص من شافيز وقتها، تكاد تتطابق في الأسلوب، حين تدخلت اول مرة في أزبكستان في محاولة أيضا للتخلص من الرئيس الاوزبكي كريموف، بسيناريو ‘الثورة الملونة’ – على غرار ما حصل اوكرانيا وجورجيا- التي بلغت ذروتها في الأحداث الدامية في أنديجان في ايار/مايو 2005. لكن السلطات الاوزبكية حينها أبدت العزم والإرادة السياسية في نزع فتيل أزمة دموية، حسب السيناريو الامريكي المخطط له، من خلال وقفة مواجهة قوية.
ومع ذلك لم توقف وكالة المخابرات الامريكية محاولاتها لفرض سيطرتها على الأنظمة القائمة في دول آسيا الوسطى، خاصة في أوزبكستان الى ان رضخ الرئيس الأوزبكي كريموف اخيراً لواشنطن واصبح كالدمية في ايديهم.
وليس عبثاً تصريح كريغ موراي السفير البريطاني لدى أوزبكستان 2002-2004، الذي أكد فيه انه يملك وثائق مهمة حول أنشطة وكالة المخابرات المركزية والمخابرات البريطانية MI6 على الاراضي الاوزبكية،
عندما قامت المخابرات الاوزبكية بتزويد المخابرات الامريكية والبريطانية بمعلومات عن وجود علاقة بين المعارضة الأوزبكية الداخلية وتنظيم ‘القاعدة’، وقتها انتهجت المخابرات الأوزبكية سياسة التعذيب والتنكيل بحق المعتقلين لديها، للحصول على اعترافات خطية تدينهم بالإرهاب، والتي بالطبع لم تكن صحيحة وانتزعت من المتهمين باسلوب التعذيب والتهديد، كل هذا في سبيل التقرب من واشنطن كحليف جديد موثوق به. يضيف موراي أن المعلومات الواردة من المخابرات الاوزبكية لا يمكن الوثوق بها لدرجة عالية، ولكن قيمتها العالية كونها جاءت تتماشى مع خطة الولايات المتحدة لتبرير وجودها في منطقة آسيا الوسطى، من أجل مواجهة المد الإرهابي الإسلامي على حسب قولهم. ويتابع موراي الحديث قائلاً، كانت طشقند واحدة من الأماكن الثلاثة أو الأربعة الأكثر استخداماً لقانون الطوارئ،، وكثيراً ما كانت الحكومة الأمريكية تنتقد اوزبكستان على ذلك، مشيرةً الى ان نظامها يفتقد للكثير من الديمقراطية. ولكن عندما وافقت السلطات الأوزبكية على التعاون العسكري مع واشنطن وسمحت للطائرات العسكرية الامريكية بالهبوط في مطار طشقند، صرحت واشنطن مباشرة بان البلاد تسير في الاتجاه الصحيح وبخطوات ثابتة نحو الديمقراطية الغربية، تحول مدهش! أليس كذلك؟
يتابع السفير موراي حديثه قائلاً بأن الاشخاص الذين نقلتهم طائرات CIA من مختلف أنحاء العالم إلى معتقلات التعذيب في أوزبكستان، مورس عليهم اشد انواع العقاب والتنكيل، لإجبارهم على الاعتراف بأنهم أعضاء في تنظيم ‘القاعدة ‘، وأنهم كانوا في معسكرات التدريب في أفغانستان، واجبروهم على الاعتراف ايضاً بأنهم التقوا بزعيم التنظيم أسامة بن لادن شخصياً.
أما أخطر وأهم ما يورده موراي، فهو حين يؤكد رؤيته للوثائق التي تثبت أن الدافع الحقيقي وراء العدوان العسكري الامريكي والبريطاني على أفغانستان كان حقول الغاز الطبيعي في أوزبكستان وتركمانستان، فالأمريكيون يــريدون مد خط أنابيب الغاز عبر أفغانستان، بالقفز على جغرافية روسيا وايران، ولضمان ذلك، كان بالضرورة أن يتم الغزو بحجة محاربة الإرهاب، وما هي علاقة الشرق الأوسط بكل ذلك؟ الجواب وفقاً لكريغ موراي، أن القاعدة الجوية الامريكية في ‘خان آباد’ لم تكن لها حاجة حقيقية قصوى كعنصر إمداد للعملية العسكرية في أفغانستان، كما تناقلت وسائل الاعلام الأمريكية انذاك، ولكن الحرب على افغانستان استخدمت كمبرر وذريعة لافتتاحها. 
ففي الواقع، انها واحدة من عدة قواعد جوية امريكية انشئت اصلاً لكي تكون كالقيد حول عنق الدول في منطقة الشرق الأوسط، التي بموجبها يستطيع البنتاغون ان يسيطر ويدير خطوط النفط والغاز التي تمتد من الشرق الأوسط عبر القوقاز إلى آسيا الوسطى. لهذا السبب وقعت إحدى الشركات الأمريكية عقداً لبناء خط أنابيب لنقل النفط والغاز الآسيوي عبر أفغانستان إلى بحر العرب. وهذا ما يفسر الاهتمام الامريكي لتوقيع الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وأفغانستان، فضلاً عن الدعم القوي الذي يقدمه الرئيس الاوزبكي كريموف، لإتمام هذه الصفقة، مستغلاً موقع أوزبكستان الاستراتيجي، كونها في منطقة مجاورة لأفغانستان، وسعيه لجني اكبر قدر ممكن من الفائدة الشخصية لشراكة محتملة مع دول حلف شمال الاطلسي والولايات المتحدة، وايضاً سعيه إلى التخلص من النفوذ الروسي والشراكة التاريخية لصالح السياسة الأمريكية الجديدة في المنطقة.
من اجل كل تلك المنافع التي يصب جزء منها في رصيده بدأ الرئيس الأوزبكي يتبنى خططاً امريكية طويلة الأجل، على أمل أن يشارك في هذه العملية المربحة. فهم يحتاجون للمساعدة الامريكية في فتح الطرق السريعة وفي بناء السكك الحديدية القادمة من هيرتان نحو مزار شريف وكابول وقندهار، ومن ثم إلى ميناء كراتشي، باكســـتان، ولا ننســــى طبعاً شبكة أنابيب النفط و الغاز. بالطبع، لتنفيذ هذه الخطط الطموحة والضخمة من قبل الأمريكيين يجب أن يكونوا على ثقة تامة من أن السلطات الأوزبكية سوف تكون على نسق واحد وقادرة على تطبيق الاتفاقيات الثنائية. هذا هو السبب الذي يجعل وكالة المخابرات المركزية والبريطانية تنشطان لإبقاء أوزبكستان تدور في فلكهما وحدهما، وسلخها تماماً عن جارتها روسيا، ومقاومة جميع التغيرات المحتملة في سياسات القيادة الأوزبكية جراء الضغط الروسي عليها، وهذا ما حدث فعلاً في زيارة الرئيس كريموف الأخيرة إلى روسيا، وما رافقتها من برودة في الاستقبال وغضب مبرر من الجانب الروسي في اللقاء الذي جمع الرئيسين.
واشنطن، هي بالضبط مثل أخطبوط ضخم وحيد، يحاول بأذرعه الطويلة والقوية أن يلوي عنق فرائسه من الدول على هذا الكوكب، وبحبرها الأسود الذي ينفثه إعلامها هي قادرة على أن تجعل كل فريسة في كل ذراع لها لا ترى الفريسة الأخرى، لكن القضية كلها بقبضات أخطبوط واحد في النهاية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق