بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 29 يونيو 2013

القضاء.. عندما تهتز صورته ! – د.زيد حمزة – الأردن

 



ليس جديداً القول إن للقضاء مكانته السامية في نفوس الناس من مختلف المجتمعات فلقد ظل عبر التاريخ موئلهم في التخاصم ومرجعهم لنيل حقوقهم حين تسلب منهم، كما استمر حلمهم في أن يبقى ميزان العدالة مستوياً لا يميل لهذه الجهة او تلك، لذلك حافظت الدول الديمقراطية على القضاء كسلطة مستقلة يحميها الدستور وتنص القوانين على كيفية اختيار القضاة او انتخابهم بأفضل الطرق التي تضمن حيادهم ونزاهتهم وحريتهم وتجريم أي ضغط قد يمارس عليهم،
أما في الدول التي تدعي الديمقراطية قولا ولا تمارسها فعلا فاننا نجدها عرضة لتدخل السلطة التنفيذية ويؤثر الحاكم الفرد على قرارات المحاكم قبل توقيعها أو عند تعيين القضاة خصوصاً في درجاتهم العليا، والامثلة الفاضحة هذه الايام هي ما يحدث في مصر منذ هيمن الاخوان المسلمون على الحكم.

الجديد في حديثي اليوم هو عن (القضاء العالمي) الذي بات منذ إنشاء منظمة الأمم المتحدة قبل حوالي سبعين عاماً منجزاً تاريخيا للبشرية وموضع ثقة المجتمع الدولي، فبعد محكمة مجرمي الحرب النازيين في نورمبرغ أنشئت محكة العدل الدولية في الهيغ وهي تابعة للأمم المتحدة ومهمتها حل النزاعات بين الدول، ثم محكمة الجنايات الدولية التي اسست في 2002 بناء على معاهدة روما لمحاكمة مرتكبي الفظائع بحق الانسانية وجرائم إبادة الجنس البشري، أما المحاكم الدولية الخاصة محددة الزمن Adhoc Courts كتلك التي شكلها مجلس الأمن الدولي عام 1993 لمحاكمة مجرمي الحرب في يوغوسلافيا السابقة فقد استطاعت أن تدين العديد من قادة وضباط الاطراف المتحاربة، ولم يكن يخطر بالبال قط أنها وهي تضم في صفوفها قضاة مرموقين من دول مختلفة وعلى مستوى رفيع من الكفاءة والقدرة (والنزاهة طبعا) يمكن ان يطالها فساد يثير الشبهة في ادائها أو الشك في احكامها، لكن رسالة مؤرخة في 6 حزيران كتبها أحد قضاتها وهو فريدريك هارهوف (64 سنة) من الدانمرك ووجهها لستة وخمسين محاميا وصديقا وزميلا ونشرتها الصحيفة الدانمركية Berlingske قد كشفت عن الضغط الذي يمارسه رئيسها الاميركي ثيودور ميرون (83 سنة) على بعض قضاتها من اجل تبرئة عدد من قادة الصرب والكروات (3 صرب واثنان كروات) متهمين بجرائم حرب ما أثار عاصفة من الاحتجاج والشكوى من قبل محامين دوليين وجماعات حقوق الانسان وقضاة آخرين في المحكمة افادوا بأن هذه الاحكام الاخيرة قد غيرت الاسس والمقاييس التي كانت تطبق على القضايا والحالات المشابهة السابقة وهو ما يبعث باشارات طمأنة لقادة الجيوش بألا يخافوا من العدالة الدولية بعد الآن وقد كانوا قبل اربع او خمس سنوات يحسبون لها الف حساب ! وثيودور ميرون هو في الاصل دبلوماسي اسرائيلي عمل مستشارا قانونيا في وزارة الخارجية ثم سفيرا لاسرائيل في كندا وفي الامم المتحدة في جنيف وقد هاجر فيما بعد الى اميركا وأصبح فيها مواطنا وعُين بهذه الصفة رئيساً للمحكمة، وتقول صحيفة النيويورك تايمز (14/ 6/ 2013) إن بعض المحللين المختصين ( ومنهم المحامي الدولي جون ويتبك ) يرون ان الدافع وراء تدخل ثيودور ميرون هو التمهيد لحماية قادة وسياسيين اسرائيليين من مغبة مقاضاتهم مستقبلاً وتعريضهم لخطر احكام القضاء، أما المسؤولون الاميركيون فلا خشية عليهم لأنهم يعتمدون على حكومتهم في استعمال حق الفيتو في مجلس الامن لإبطال أي قرار بادانتهم ! أما ويليام شاباس استاذ القانون في جامعة مديلسكس في لندن فقد قال (قبل عقد من الزمان كانت هناك رسالة انسانية قوية تخرج من هذه المحكمة مؤكدة على حماية المدنيين وحقوق الانسان ولا تقدم اي معاملة تمييزية للقادة العسكريين، لكن هذه الرسالة الآن ضعفت كثيراً ! ).
وبعد.. فالمفارقة المخزية هي ان رئيس المحكمة المتواطئ هذا كان في صدر شبابه صاحب ضمير فأفتى لليفي إشكول رئيس الوزراء الاسرائيلي عام 1967 بان بناء المستوطنات في الاراضي الفلسطينية المحتلة مخالف لاتفاقية جنيف الرابعة ويشكل جريمة حرب، لكنه انقلب الآن ليفتي بما يخالف الضمير ويخدش قدسية العدالة، لذلك يطالبه اكثر من نصف اعضاء المحكمة التي يرأسها.. بان يتنحى !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق